
الصيادون بين صعوبة رحلات الصيد واستغلال الدلالين
-يُعدّ التسويق السمكي من القطاعات الحيوية في اليمن، حيث يلعب دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل واسعة، بفضل سواحلها الغنية بالموارد البحرية، حيث تمتلك بلادنا إمكانيات كبيرة لتطوير هذا القطاع بما يعزز الأمن الغذائي ويدعم الصادرات.
ومع ذلك، يواجه التسويق السمكي تحديات كثيرة، أهمها انخفاض الأسعار وتكاليف النقل واحتكار السوق.
اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي
رحلة أسبوعية
يصف عيسى على الله، وهو صياد من أبناء الخوبة في محافظة الحديدة، رحلات الصيد في مدينة الخوخة بالخطيرة والمكلفة، الأمر الذي يدفع مئات الصيادين للتوقف عن ممارسة مهنة الصيد.
ويقول بأن رحلات الصيد في مدينته تنقسم إلى نوعين رئيسيين: الرحلة اليومية والرحلة الأسبوعية، فالرحلة اليومية تبدأ عادة في الواحدة ظهراً، وتستمر حتى الخامسة عصراً، حيث يعود الصيادون صباح اليوم التالي، وتكلفة هذه الرحلة تتضمن حوالي من أربع أو خمس جالون وقود بسعر يتراوح بين 40 ألف و50 ألف ريال، إلى جانب 40 قالب ثلج بسعر يتراوح بين 1500 و1700 ريال للقالب الواحد، ما يجعل التكلفة الإجمالية للرحلة تصل إلى حوالي 200 ألف ريال.
أما الرحلة الأسبوعية، فهي أكثر تعقيداً وتستدعي استعدادات أكبر، ويتم فيها استخدام عشر جالونات وقود كبيرة سعة 60 لتراً، بقيمة تصل إلى 400 ألف ريال، بالإضافة إلى 60 أو 70 قالب ثلج ومواد غذائية أخرى تكلف حوالي 40 إلى 50 ألف ريال. تصل التكلفة الإجمالية لهذه الرحلة إلى ما بين 800 ألف 900 ألف ريال، ويتحملها مالك القارب بالكامل.
ويشير إلى أنه عند العودة من البحر، يقوم الصياد بإنزال أسماكه في ساحة الإنزال المخصصة، يتولى الوكيل بيعها في مزاد علني. بعد البيع، حيث يسلم الوكيل المبلغ للصياد بعد خصم 5% كرسوم، مع الإشارة إلى أن الديون السابقة ليست من مسؤولية الوكيل الجديد، لافتاً إلى أنه أحياناً يواجه الصيادون مشكلات مع الوكلاء، حيث يتم الضغط عليهم لإتمام سداد ديونهم قبل تغيير التعامل مع وكيل آخر.
ويضيف أن أسعار الأسماك شهدت تراجعاً كبيراً مؤخراً، حيث كان سعر كيلو سمك الديرك يتراوح بين 2000 و4 ألف ريال قبل شهرين، أما الآن فقد انخفض إلى ما بين 1000 و1700 ريال، وكذلك الحال مشابه لأنواع أخرى مثل الساقي، البكاس، الحمد، والفقه، التي تراجعت أسعارها بشكل كبير. بالنسبة للأسماك التي تُباع بالكمية، مثل الكاليات والسعاديات، فقد انخفضت قيمتها أيضاً بشكل كبير، ما أثر على أرباح الصيادين.
ويوضح الصياد عيسى أن الأسباب الرئيسية لانخفاض الأسعار تشمل غياب الشركات التي تشتري الأسماك من الصيادين، إلى جانب احتكار السوق من قبل تجار محددين، والمشكلات الإدارية في المنافذ الحدودية مثل منفذ الوديعة، وارتفاع تكاليف التشغيل، من وقود ومواد غذائية، مقارنة بأسعار البيع، أدى أيضاً إلى عزوف بعض الصيادين عن العمل في هذه الظروف الصعبة.
ويرى أن جمعية ساحل تهامة قدمت قروضاً للصيادين، قرابة 200 ألف ولكن الصيادين تخوفوا من أخذ قروض الجمعية لشرط الجمعية بإعادة القرض خلال شهر.
واقع التسويق
وعلى صعيد متصل يوضح أمين عام جمعية ساحل تهامة الاستاذ عبدالسلام قعيشي أن التسويق السمكي في الحديدة يعتمد على مرحلتين أساسيتين: التسويق الخارجي والتسويق المحلي، منوهاً إلى أن التسويق الخارجي، تُصدَّر أنواع محددة من الأسماك إلى السعودية، مثل القشريات بأنواعها والديراك وبعض أنواع البياض التي يتراوح وزنها بين نصف كيلو إلى كيلو، و هذا التسويق يتم عبر مجموعة من المسوقين أو المصدرين المختصين.
أما التسويق المحلي، فيغطي المحافظات والمديريات اليمنية المختلفة مثل تعز وإب وصنعاء والمحويت وبيت الفقيه وزبيد والقناوص، و لكل منطقة أنواعها المفضلة من الأسماك، حيث تُسوَّق في تعز وإب أنواع مثل البياض الكبار، الزينوب، الشروى، الديراك، الفرس، العنابر، الضبي، والدرب. بينما تفضل صنعاء أسماك البياض، الديراك، العنابر، الفرس، الدرب، الباغة، السلمون، واللخم (أسماك القرش). أما المحويت، فهي تعتمد على القد والكمل والدرب. في بيت الفقيه وزبيد والقناوص، يتركز الطلب على أسماك القرش الصغيرة والبياض والشروى.
احتكار ومافيا
جمعية ساحل تهامة، ووفقاً لآمينها العام عبدالسلام قعيشي، حديثة العهد وتُعد جمعية خدمية لا تمتلك موارداً مالية كبيرة، وقد بدأت الجمعية عملها ببناء هيكلها المؤسسي وإنشاء فروع على امتداد الشريط الساحلي، إضافة إلى تدريب وتأهيل الهيئات الإدارية لهذه الفروع.
وفيما يتعلق بالتسويق، تدخلت الجمعية بداية في الأسماك الموسمية مثل الحبار والجمبري، التي كانت محتكرة من قبل مافيا أو “هوامير” كبار يسيطرون على القطاع، لدرجة أنهم أصبحوا يملكون القوارب ويُشغِّلون الصيادين كعمال لديهم، مما منحهم القدرة على التحكم الكامل بالمواسم والأسعار.
وخلال السنوات الماضية، انخفض سعر كيلو الحبار إلى أقل من ألف ريال، ما دفع الجمعية للتدخل، بفضل جهودها، تمكنت الجمعية من تثبيت السعر عند ألف وأربعمائة ريال كحد أدنى، وزاد السعر لاحقاً ليصل إلى ألفي ريال.
ويضيف أمين عم الجمعية أنه تم إنشاء وحدة إنتاج وتسويق تهدف للتدخل في تسويق جميع أنواع الأسماك مستقبلاً من خلال نظام الصيد التعاقدي. الجمعية تأمل أن تُحدث تغييراً إيجابياً يحقق عدالة أكبر للصيادين ويساهم في تحسين قطاع الصيد البحري.
التجار
مسؤول سوق البليلي في صنعاء وأحد تجار الأسماك، حسين أبو حسين، يصف دور التجار في تسويق الأسماك وأهمية سوق البليلي في تنظيم العملية.
ويؤكد حسين أن السوق يعتمد بشكل كبير على الكميات المتوفرة من السواحل وعلى مستوى الطلب، حيث يتم استقبال كميات تتراوح بين 5 أطنان في بعض الأيام وحتى 20 أو 25 طناً في أيام أخرى. ويوضح أن الهدف الأساسي هو بيع الأسماك طازجة تماماً، لأن ذلك يمثل الركيزة الأهم في العمل.
وفيما يتعلق بآلية الشراء، يشير حسين إلى أن جميع الأسماك تُشترى الآن بالوزن، على عكس السنوات الماضية عندما كانت بعض الأنواع تُباع بالقطعة، مثل أسماك الثمد الكبيرة القادمة من السواحل الجنوبية. أما اليوم، فإن الصيادين يصرون على البيع بالوزن فقط.
ويوضح أن أسعار الأسماك ليست ثابتة، بل تتغير يومياً بناءً على الكميات المتوفرة والطلب في السوق. وأضاف أن عملية البيع تتم بنظام المزايدة، حيث يحصل الصياد على السعر الأعلى من المشترين، مشيراً إلى أن المصدرين الذين يصدّرون الأسماك إلى السعودية يلعبون دوراً كبيراً في رفع الأسعار، حيث يزايدون للحصول على الكميات المطلوبة.
ويصف حسين سوق البليلي بأنه أفضل سوق جملة للأسماك في صنعاء، مشيراً إلى أن موقعه المميز وملاءمته لعمليات البيع بالجملة والتجزئة، مؤكداً أن التجار في السوق يحرصون أشد الحرص على جودة الأسماك والحفاظ عليها، لأن هذا هو مصدر رزقهم قبل أي شيء آخر.
ويوضح أنه إذا كانت هناك مشكلات في السوق، فإن التجار هم أول من يعترض لأنهم الأكثر تأثراً.
أما عن الكميات التي تُورّد إلى صنعاء، فقد ذكر أنها ليست بالكميات الكبيرة التي قد تسبب مشكلات، لكنه شدد على ضرورة أن يتم التوريد وفق الطلب فقط، مشيراً إلى أن أي زيادة في الكميات تتسبب في تلف الأسماك، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة، خاصة مع مصاريف النقل المرتفعة.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية الحفاظ على الأسماك طازجة وبيعها بسرعة لضمان الجودة وتجنب التلف.
بدوره يوضح مدير عام التسويق السمكي راجح طبقة أن عملية التسويق السمكي تبدأ فور انتهاء الصيادين من عملية الاصطياد، حيث يعرض كل صياد منتجاته السمكية في ساحات العرض والمزادات العلنية الموجودة في موانئ ومراكز الإنزال.
ويقول: “هناك، يتم شراء هذه المنتجات من قبل التجار والوكلاء والموردين لتوزيعها في أسواق التجزئة والجملة أو توصيلها مباشرة إلى محلات ومطاعم بيع الأسماك والمأكولات البحرية”، مشيراً إلى أن بلادنا تمتلك العديد من الأسواق السمكية التي تتركز غالباً في مراكز المحافظات والمدن الكبرى، بالإضافة إلى بعض المديريات.
وفي إطار الخطة الاستراتيجية للتسويق السمكي، تم إنشاء ثلاثة نماذج من نقاط بيع الأسماك المتنقلة في أمانة العاصمة كتجربة أولية، وقد حقق المشروع نجاحاً كبيراً، استناداً إلى ذلك، تعتزم الوزارة افتتاح 27 نقطة بيع متنقلة في مديريات أمانة العاصمة كمرحلة أولى، بهدف إيصال الأسماك إلى المناطق التي لم تكن تصلها هذه الخدمات من قبل، مع ضمان تقديم الأسماك بجودة عالية وبأسعار تناسب الجميع.
ويضيف أن الوزارة تخطط لتوسيع مشروع نقاط البيع المتنقلة ليشمل محافظات أخرى مثل إب وتعز وذمار وغيرها، بهدف ضمان وصول المنتجات السمكية إلى جميع المواطنين، بغض النظر عن مستواهم المادي، مؤكداً أن الوزارة تسعى لتوفير الأسماك للجميع بجودة ممتازة وسعر ملائم، مع التركيز على المستهلك الفقير.
ويلفت إلى أهمية دور الوزارة في إدارة وتنظيم عمليات نقل وتداول المنتجات السمكية، وضمان الرقابة على الجودة، والتفتيش على الأسواق ومحلات ومطاعم بيع الأسماك، وذلك لحماية صحة المستهلك، مؤكداً أن الوزارة تعمل جنباً إلى جنب مع جمعيات المنتجين والجمعيات التسويقية لدعم الإرشاد والتوعية وتحقيق الاستفادة المثلى للمجتمع.
ويلفت إلى أنه تم مؤخراً إشهار الجمعية اليمنية التعاونية لتسويق الأسماك والمأكولات البحرية، التي من المتوقع أن تلعب دوراً مهماً في تسويق هذه المنتجات على المستوى المحلي والدولي. ومع ذلك، أوضح أن القطاع يواجه صعوبات كبيرة، أهمها نقص البنية التحتية المؤهلة في الأسواق السمكية المركزية التي تلتزم بالمعايير الدولية، بالإضافة إلى تحديات في ضبط مالكي الأسواق والمحلات لضمان التزامهم بالاشتراطات البيئية والصحية.
ويبين أن خطة الوزارة لإنشاء سوق مركزي في صنعاء يكون بمثابة نقطة تجمع لتجارة الأسماك بالجملة والجملة المخصصة للتصدير، حيث يتضمن معامل تجهيز وتجميد وتقطيع، ومركزاً للصادرات، مؤكداً أن العمل جارٍ مع مركز المعلومات لتنفيذ الربط الشبكي بين مراكز الإنزال ومركز المعلومات، لضمان البيع بالوزن والشفافية، مع الإعلان عن الترتيبات النهائية قريباً.
