
السدر ذهب الجبال وكنز الأسواق العالمية
يأتي موسم عسل السدر في بلادنا كحدثٍ سنويٍّ ينتظره النحالون والمستهلكون على حدٍّ سواء، فهو موسمٌ اقتصاديٌّ وتراثيٌّ وحياتيٌّ يعلن عن ولادة أفضل ما تقدّمه الطبيعة اليمنية، حيث تمتد أشجار السدر في الجبال والوديان والسواحل، وتحوِّل مع نهاية موسم الأمطار رحيقها إلى عسلٍ يتفوّق على أشهر أنواع العسل في العالم جودةً ونكهةً وفائدةً طبية، وهذا التنوع المناخي الفريد منح اليمن موقعاً مميزاً كموطنٍ للعسل الأصيل، وخصوصاً عسل السدر الذي يُعدّ ذهب البلاد الحلو وثروتها التي لا تنضب.
اليمن الزراعية: الحسين اليزيدي
وفي هذا الصدد، يتحدث النحال الشيخ محمد ياسين من مديرية حيفان بمحافظة تعز، عن أهمية هذا الموسم بالنسبة للنحالين، ويقول إنّ السدر يُعدّ الغذاء الرئيس للنحل في هذه الفترة، مضيفاً أنّ الأشجار تكون في ذروة إزهارها، ما يمنح خلايا النحل وفرةً في الرحيق، ويؤدي إلى إنتاج عسلٍ ذي كثافةٍ عاليةٍ وطعمٍ مميز.
ويشير إلى أنّ الخلايا الحديثة توفّر إنتاجاً أكبر مقارنةً بالخلايا البلدية، كما تسهّل عملية الإدارة والعناية بالنحل، غير أنّ أسعارها المرتفعة تُشكّل عبئاً كبيراً على المزارعين، قائلاً: “نعتمد على الخلايا الحديثة لأنها أفضل في التربية والإنتاج، لكن أسعارها باهظة بالنسبة لنا”..
ويضيف: “لا يوجد لدينا أي دعم من أي جهة، ونتعامل مع أمراض النحل باجتهاداتٍ محلية، معتبراً أن التجربة العملية بالنسبة لنا أهم من الدراسات، لأننا نعمل وسط الطبيعة ونتعلم منها مباشرةً، مؤكداً أنّ النحالين يبيعون منتجاتهم في الأسواق المحلية أو لأي مشترٍ متاح، لافتاً إلى عدم وجود آلياتٍ منظمةٍ لضمان حقوقهم وجودة المنتج في السوق.
أهمية السدر
ويُعدّ موسم عسل السدر في بلادنا واحداً من أهم المواسم الزراعية والاقتصادية التي يعوّل عليها آلاف النحالين في مختلف المحافظات، لما يمثله هذا العسل من قيمةٍ غذائيةٍ وعلاجيةٍ وسُمعةٍ عالميةٍ وصلت به إلى لقب الأفضل على مستوى العالم، ووفقاً لما يؤكده المهتم والنحال معتز زيد من محافظة صنعاء، الذي يحدثنا عن تجربته مع هذا الموسم الذهبي، فإنّ الاستعداد يبدأ مبكراً في شهري يوليو وأغسطس، حيث تتم تهيئة خلايا النحل وتنشيطها قبل الانتقال إلى المناطق الجبلية التي يسبق فيها تزهير السدر، مثل : [صعدة وسفيان والعصيمات].
وهناك يبدأ فرز العسل في مطلع أكتوبر، ثم تُنقل الخلايا إلى المناطق الوسطى مثل برط والجوف، وفي نهاية الشهر يتم توجيه النحل نحو المناطق الساحلية كمحافظتي الحديدة وحجة لاستكمال الموسم.
ويصف زيد موسم السدر بأنه “العمود الفقري” لمهنة النحالين، نظراً لإنتاجيته العالية وطلبه الكبير محلياً وخارجياً، فضلاً عن مكانته المتميزة، مشيراً إلى أن براعة نكهته وقيمته العلاجية جعلته يحتل الصدارة بين أنواع العسل في العالم، بل إن الإشارة إليه وردت في القرآن الكريم في سورة سبأ.
ويؤكد أن ملايين خلايا النحل تتجه خلال الموسم إلى ملايين من أشجار السدر المنتشرة في الجبال والسهول والوديان اليمنية، وتنتج آلاف الأطنان من عسل السدر الطبيعي، ومن أبرز مواقع السدر في اليمن هي: [وادي دوعن، ووديان حضرموت، ووادي جردان بشبوة، والعصيمات وحرف سفيان بعمران، ووديان صعدة، ومديرية حريب بمحافظة مأرب، ووديان محافظة الجوف، بالإضافة لجبال وصاب بمحافظة ذمار، ومديرية مقبنة بتعز، وجنوب غرب إب، ووديان السدر في الحديدة، حجة، المحويت، الضالع وغيرها].
ويشير النحال معتز زيد إلى التحديات الكبيرة التي تنعكس على جودة الإنتاج وكمياته، من أبرزها، آثار العدوان وما سببه من تلوث وتضرر بيئي خصوصاً في محافظة مأرب، والاحتطاب الجائر الذي يهدد بقطع مساحات كبيرة من أشجار السدر، وقص الأزهار بغرض بيعها، لافتاً إلى وجود تسجيلات توثق قيام بعض ضعاف النفوس بقطع أزهار السدر في الحديدة محذرا من هذا التصرف الذي يهدد البيئة النحلية بتهامة.
ويتبع معتز أساليب حديثة في تربية النحل، مثل استخدام الخلايا الحديثة التي تتيح إنتاج منتجات متعددة مثل الغذاء الملكي وسمّ النحل والبروبليس والشمع، أما عملية الفرز فتتم بعد نضوج العسل باستخدام فرازات من الستانلس ستيل، مع تصفيته في مصابات خاصة للتقليل من الرطوبة وإزالة الرغوة، ورغم جودة المنتج، يواجه سوق العسل منافسة غير عادلة بسبب انتشار المستورد منخفض الثمن، الذي يقبل عليه بعض المستهلكين لغياب الوعي الكافي بالفروق بين العسل اليمني الطبيعي والعسل المستورد والذي معظمه مصنع.
موسم العسل
من جهته، يتحدث النحال مراد علي من تهامة عن موسم العسل الذي يصفه بأنه العصب الرئيس لمهنة تربية النحل، والموسم الذي يعكس ثمرة الجهد والتعب طوال العام.
ويقول: “نبدأ الاستعداد لموسم السدر مبكراً من خلال تقوية خلايا النحل ورفع إنتاجيتها عبر ما يعرف بضغط النحل، إضافة إلى إخلاء العسل المتبقي قبل دخول الموسم حتى يتفرغ النحل لرحيق السدر حصراً، مؤكداً أن نجاح هذه المرحلة ينعكس على جودة العسل ونقائه، إذ تتفرغ النحلات لجمع رحيق السدر فقط بما يمنح العسل طعمه المميز وقيمته العالية.
ويرى أن موسم السدر هو الأكثر أهمية وذات مردود اقتصادي ضخم مقارنة ببقية المواسم، فبينما تغطي أنواع الأعسال الأخرى المصاريف التشغيلية المتصلة بتربية النحل، يوفر السدر أرباحاً حقيقية تساعد النحال على تحمل مشاق المهنة ومفاجآت الطبيعة طوال العام، مبيناً أن النحالين يأملون دائماً بنجاح الموسم ولو بنسبة 80 %، لأن ذلك يعد بالنسبة لهم تعويضاً عن جهد عام كامل.
ويعتمد النحال مراد في تربية نحل العسل على الأساليب الحديثة التي تتيح إنتاجية أعلى وسهولة في التعامل مع الخلايا، غير أنه يؤمن بأن الطرق التقليدية لا تزال مهمة في ضمان جودة العسل وطابعه الأصيل، لذلك يدمج بين الطريقتين بما يضمن قوة الخلايا وراحة النحل ومردوداً أفضل، أما في عملية الفرز والتصفية فيستخدم الفراز ومصافي الستانلس ستيل والمنضج وبراميل الحفظ الصحية لضمان بقاء العسل نقياً وصالحاً للتخزين والتسويق.
ويبين أنه خلال موسم السدر لا يتم تقديم أي علاجات أو أدوية للنحل حتى لا تتأثر نكهة العسل، ويتم تأجيل جميع المعالجات لما بعد الفرز حفاظاً على جودة المنتج النهائية، مشيراً إلى أنهم يعتمدون على التسويق الإلكتروني إضافة إلى أسواق العسل المحلية، رغم أن حركة السوق تتأثر بوجود منتجات مستوردة منخفضة الجودة وأسعار متدنية تستقطب المستهلك قليل الخبرة.
ويصف النحال مراد علي موسم السدر بأنه موسم الرزق الأكبر للنحالين والركيزة التي تبقي لهذه المهنة حياتها واستمرارها، مؤكداً أن نجاحه يعني للنحالين الكثير، ليس فقط من حيث الربح وإنما كتعويض معنوي عن رحلة شاقة بين الجبال والسهول طوال العام.
الجمعيات التعاونية والنحل
وتؤدي الجمعيات التعاونية الزراعية أدواراً جيدة في خدمة النحالين في مختلف مناطق الإنتاج، ففي مديرية المنيرة بالحديدة يقول رئيس جمعية نحالي المنيرة، يوسف القديمي، إن موسم السدر يمثل حدثاً اقتصادياً وغذائياً بالغ الأهمية ينتظره النحالون في المديرية.
ويؤكد أن هذا الموسم يشكل مصدر رزق كريم لآلاف الأسر، نظراً لأن عسل السدر يعد من أجود وأغلى أنواع العسل في العالم، ويصل إلى الأسواق المحلية والدولية بقيمة استثنائية اكتسبها من خصائصه الفريدة وبيئته الطبيعية النقية.
ويشير القديمي إلى أن انتشار شجرة السدر في مديرية المنيرة وفي محافظات مثل حجة وصعدة وعمران والجوف، جعل هذه المناطق معروفة عالمياً بإنتاج العسل الدوائي، موضحاً أن الحركة التجارية تنشط خلال الموسم بشكل كبير، حيث توفر المناحل فرص عمل موسمية في مجالات متعددة، ما ينعكس إيجابًا على الدخل الريفي ويسهم في تنشيط الأسواق المحلية.
ويضيف أن عسل السدر غني بالمعادن والفيتامينات والإنزيمات الطبيعية، ويتميز بخصائص علاجية تجعله مقويًا للمناعة ومفيدًا للجهاز الهضمي والتنفسي، إلى جانب دوره المعروف في علاج الجروح ورفع الطاقة والحيوية، مؤكداً أن سبب هذه القوة العلاجية يعود إلى نقاء الموائل الجبلية التي تنمو فيها شجرة السدر البرية، واحتواء العسل المنتج منها على نسب عالية من مضادات الأكسدة وانخفاض الرطوبة.
ويرى القديمي أن هذا المورد الطبيعي يواجه تحديات حقيقية تهدد استدامته، أبرزها القطع العشوائي لأشجار السدر بهدف الحطب أو التوسع العمراني، إضافة إلى الأضرار الناجمة عن المبيدات والتغير البيئي، محذراً من استمرار هذه الممارسات التي قد تفقد اليمن كنزًا اقتصاديًا ودوائيًا فريدًا إذا لم يتم التدخل لحمايته.
ويؤكد أن جمعية نحالي المنيرة تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على هذه الشجرة القومية، من خلال تعزيز الوعي البيئي وتنفيذ حملات للحد من قطع السدر، وإنشاء مشاتل متخصصة لإنتاج شتلاتها وزراعتها في المناطق المتضررة، إلى جانب توفير الدعم الفني والإرشادي للنحالين للحفاظ على بيئة سليمة وصحية للنحل.
ويكشف القديمي عن توجه الجمعية لإنشاء محميات نحلية خاصة لإنتاج العسل الدوائي في بيئات نقية وخالية من التلوث، مشيراً إلى أن هذه المحميات ستخضع لضوابط منظمة تضمن حماية الغطاء النباتي وتنظيم دخول المناحل، ما يسهم في إنتاج عسل نقي عالي الجودة يتمتع بقدرة تنافسية عالمية، كما تتبنى الجمعية خطة متكاملة لتطوير قطاع العسل تشمل التدريب وبناء القدرات في مجالات إدارة المناحل ومكافحة الأمراض والتعبئة والتسويق، إضافة إلى توفير أدوات ومستلزمات النحل بأسعار مدعومة، وتشجيع إنشاء علامات تجارية موحدة تضمن جودة المنتج وتوثيق مصدره وحمايته من الغش.
ويشدد على أهمية التعاون بين النحالين والتجار والجهات الرسمية لتنظيم السوق وضمان استقرار الأسعار وتسهيل تسويق العسل داخليًا وخارجيًا، مؤكدًا أن الجمعية تسعى ليكون قطاع النحل رافدًا اقتصاديًا مستدامًا يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
جمعية العشة
بدوره يؤكد مدير المشاريع التنموية في جمعية العشة التعاونية الزراعية متعددة الأغراض عبداللطيف قعبان أن الجمعية تقوم بحماية أشجار السدر والمحافظة على بيئتها الطبيعية من خلال نشر الوعي بأهميتها البيئية والاقتصادية، إلى جانب ذلك تعمل على تشجيع زراعة السدر في المناطق الزراعية، بهدف تعزيز الغطاء النباتي وزيادة الإنتاج المستقبلي من العسل.
ويشير إلى أن الجمعية تقدم للنحالين في مديرية العشة خدمات فنية مباشرة، تشمل الإرشاد في تربية النحل وتحسين طرق الإنتاج، إضافة إلى تنظيم برامج تدريبية تعزز مهاراتهم العملية وتساعدهم على إدارة المناحل بالشكل الصحيح، كما تلعب الجمعية دورًا مهمًا في تسويق منتجات العسل ودعم وصولها إلى الأسواق بما يضمن للنحالين قيمة عادلة لمنتجاتهم.
وحول البرامج التدريبية الخاصة بموسم السدر، يوضح قعبان أنه لا توجد حتى الآن برامج متخصصة ترتبط بهذا الموسم تحديدًا، مضيفًا أن الجمعية تسعى مستقبلًا لتأسيس برامج قادرة على تحسين جودة الإنتاج ورفع مستوى الاحتراف لدى النحالين خلال مواسم الإنتاج المهمة.
ويكشف عن خطط عمل واضحة تسعى الجمعية من خلالها إلى تطوير سلالات النحل المحلية لزيادة إنتاجية الخلايا، وتشجيع النحالين على استخدام التقنيات الحديثة في التربية والقص والتخزين، كما تعمل الجمعية على تحسين استراتيجيات التسويق بهدف توسيع انتشار العسل اليمني داخل البلاد وخارجها.
ويؤكد مدير المشاريع التنموية في جمعية العشة أن التعاون مع الجهات الرسمية يشكل جزءاً أساسياً من جهود الجمعية، لضمان تنظيم عملية تسويق العسل والحفاظ على جودته وفق ضوابط واضحة ومعايير موحدة، كما يتم العمل مع التجار والموزعين لتأمين منافذ بيع أفضل وتعزيز الحضور التجاري للعسل اليمني في الأسواق العالمية.
ويضيف قعبان أن الجمعية تنفذ برامج وأنشطة متعددة في قطاع تربية النحل وإنتاج العسل، تشمل التدريب المستمر للنحالين، وتنظيم حملات توعوية حول أهمية هذا القطاع في تعزيز الاقتصاد المحلي وفي دعم البيئة من خلال الحفاظ على دور النحل في التوازن البيئي وزيادة الإنتاج النباتي.
ويؤكد أن الجمعية تسعى إلى أن تكون عوناً للنحالين وحاميًا لشجرة السدر ومحرّكًا رئيسيًا لتطوير قطاع العسل، حتى يظل هذا المنتج اليمني الفاخر قادرًا على المنافسة ومساهما في تحسين مستوى المعيشة واستدامة الموارد الطبيعية في المنطقة.
سلاسل القيمة
بدوره يؤكد ضابط سلاسل القيمة للعسل ذياب الأشموري أن بلادنا تمتلك مقومات فريدة في إنتاج العسل، تبدأ من تنوع غطائها النباتي ووفرة المراعي الطبيعية التي تُعد الركيزة الأساسية في سلسلة القيمة لهذا المنتج.
ويشير الأشموري إلى أن سلسلة النحل والعسل تبدأ من المدخلات، وأهمها ما يُعرف بـ«المائدة» التي يقصد بها غذاء النحل، والمتمثل في المراعي الغنية بالأزهار، وعلى رأسها أشجار السدر التي تشتهر بها اليمن وتُعد أساس إنتاج العسل السدر المعروف بجودته العالية.
ويوضح أن البلاد تمتلك غطاءً نباتيًا واسعًا يمتد من منبة في محافظة صعدة حتى محافظة تعز، وبمساحة تُقدّر بنحو 50 ألف كيلومتر مربع، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذا الغطاء لا يزال غير مستغل، حيث توجد مناطق لا يُربى فيها النحل إطلاقًا رغم غناها بالنباتات الرحيقية.
ويتطرق الأشموري إلى الجهود المبذولة للحفاظ على أشجار السدر وغيرها من الأشجار الرحيقية، مشيرًا إلى أنه تم البدء في تفعّيل ما يُعرف بـ«المراقيم» التي تمنع الاحتطاب وتجرّمه قانونيًا، حفاظًا على الغطاء النباتي.
ويضرب مثالًا بما حدث في مديرية بني سعد، حيث تم منع الاحتطاب نهائيًا لأشجار السدر، الأمر الذي ساهم في حماية البيئة الرعوية للنحل، واستبدل الحطّابون نشاطهم بقطع أشجار السيسبان التي تنتشر في الوديان وتسببت في انسداد مجاري السيول.
كما يذكر الأشموري أن هذه الجهود رافقها توزيع آلاف شتلات السدر في عدة محافظات، حيث وزعت جمعية بني سعد نحو 30 ألف شتلة في المرحلة الأولى، فيما قامت جمعية نحالي المنيرة بزراعة 250 ألف شتلة، إلى جانب حملات مشابهة في مناطق أخرى.
ويشير الأشموري إلى أن موسم السدر يُعد من أفضل المواسم في اليمن، نظرًا لجودة العسل المنتج خلاله، وتنوع مناطقه بين حضرموت، العصيمات، شبوة، الجوف، مأرب، وعمران،وتهامة ،وغيرها من المناطق مما يمنح العسل اليمني تنوعًا فريدًا في النكهة والتركيبة.
ومن ضمن مكونات حلقة المدخلات طريقة إكثار النحل بالوزن، وهي تجربة مطبقة في عدد من الدول، وبدأت اليمن مؤخرًا بتطبيقها بنجاح، لما لها من دور في رفع كفاءة الإنتاج وتحسين جودة الخلايا، وتخفيض تكاليف الإنتاج، منوهاً إلى أن من أبرز المبادرات التي تم تنفيذها إنشاء محميات لإنتاج العسل الدوائي، والتي يُمنع فيها تقديم التغذية السكرية للنحل، ويتم فيها تنظيم الحمولة الرعوية للحفاظ على جودة العسل.
أما الحلقة الثانية في سلسلة القيمة، فهي الإنتاج، والتي تشمل تقنيات الفرز الحديثة باستخدام الفرازات الآلية، التي تمتاز بدقتها وجودتها مقارنة بالطرق التقليدية في استخراج العسل، والتعبئة والتخزين والنقل وهي من العمليات المهمة جداً.
ويشيد الأشموري بدور الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض، أو جمعيات النحالين في تنظيم عملية تربية النحل وإنتاج العسل داخل سلاسل القيمة، حيث تقوم الجمعيات بتنظيم عملية الحمولة الرعوية، وتوفير قروض للنحالين، كما تقوم كذلك بمنع الاحتطاب، وتنظيم عملية الرش للمبيدات، ومن ضمن ما تقوم به الجمعيات هو توفير الفرازات، وشمع الأساس المحلي، وإعادة الاستفادة من الشمع التالف، الأمر الذي يعزز من القيمة الاقتصادية والبيئية للإنتاج.
ويشير إلى الجهود المبذولة لتنظيم عمليات رش المبيدات الزراعية، حيث يجري العمل على إنتاج وتصنيع مبيدات محلية غير ضارة بالنحل، إلى جانب إلزام المزارعين بالرش في المساء حفاظًا على سلامة النحل وجودة العسل، مؤكداً أن العمل المتكامل في سلسلة القيمة للعسل اليمني، بدءاً من حماية المراعي وتطوير طرق الإنتاج وحتى مراقبة جودة المدخلات وعملية التسويق هو السبيل الأمثل لتعزيز مكانة العسل اليمني عالمياً، وضمان استدامة هذا القطاع الحيوي الذي يمثل مصدر فخر واعتزاز لكل يمني.
أجود أنواع العسل في العالم
وعلى صعيد متصل، يؤكد الأكاديمي والخبير في تربية النحل وإنتاج العسل عبد الله يريم أنّ موسم عسل السدر يعد الأهم في اليمن على الإطلاق، موضحاً أن اليمن اشتهرت عبر التاريخ بإنتاج واحد من أجود أنواع العسل في العالم، وهو عسل السدر الذي تميزه شجرة السدر اليمنية ذات الخصائص النادرة.
ويشير إلى أن هذه الشجرة ذكرت في القرآن الكريم، كما أنها ذات قيمة تاريخية وبيئية مقدسة لدى الكثير من الشعوب، مشيراً إلى أن شجرة السدر في اليمن ليست مجرد مصدر لعسل ثمين، بل هي شجرة اقتصادية من الدرجة الأولى، فأوراقها وثمرها وعسلها تحمل خصائص علاجية، وهو ما جعل عسل السدر اليمني يحظى بمكانة عالمية كعسل دوائي عالي الجودة. وأثبتت العديد من الدراسات المخبرية تلك القيمة، من بينها دراسات نشرت في صحف عالمية مثل “واشنطن بوست”، التي قارنت بينه وبين أشهر أنواع الأعسال العلاجية في العالم، مؤكدة تفوقه أو مساواته في القيمة الغذائية والدوائية.
وحول مواقع تربية النحل في اليمن، يوضح يريم أنّ البيئة اليمنية بجغرافيتها المتنوعة مناسبة لتربية النحل في مختلف المحافظات، مبيناً أن النحل اليمني يعد من أقدم السلالات المستوطنة في شبه الجزيرة العربية وأكثرها قدرة على التكيّف مع المناخ الحار والبارد، مما يسمح بتربيته في مناطق متعددة مثل تهامة، حضرموت، أبين، المحويت، صعدة، عمران، الجوف، ووصاب. ويشير إلى أن المناطق التي تتفرد بغطاء نباتي من أشجار السدر فقط تنتج أفضل أنواع عسل السدر الأحادي المصدر، ما يمنح العسل طعما ورائحة فريدة.
ويشير إلى أن الجنوب اليمني يشتهر بقدر كبير بإنتاج العسل، خاصة حضرموت التي تضم وديان دوعن ويبعث وعامد، إضافة إلى شبوة وأبين. وفي الشمال، تبرز عمران ووديان الجوف وصعدة ووصاب، إلى جانب مناطق تهامية عند أقدام المرتفعات.
ويرى أنّ اليمن من أغنى دول العالم من حيث تنوع مصادر العسل، إذ يتم إنتاج ما يقارب 17 صنفاً منه، ما يعكس التنوع البيئي والغطاء النباتي الرحيقي في البلاد، كما تشير خطط وزارة الزراعة واستراتيجيتها الصادرة في العام الماضي، إلى خارطة واضحة للمراعي النحلية وبرامج لحماية النحل وتحفيز زراعة أشجار السدر. وبدأت بالفعل مبادرات شبابية وجمعيات محلية بزراعة السدر في المحويت، ويجري الإعداد لمشروعات مماثلة في الجوف.
وحول مواسم عسل السدر، يوضح أن له موسمين سنوياً: موسم رئيسي يبدأ في أكتوبر ويمتد حتى ديسمبر، ويعد الموسم الأهم والأكثر إنتاجاً وجودة، بينما الموسم الفرعي في يونيو، ويختلف إنتاجه باختلاف الأمطار، وقد يكون مختلطاً بمرعى نباتي آخر.
وتبدأ عملية الإنتاج من المحافظات الشمالية في أوائل أكتوبر، ثم ينتقل الموسم تدريجياً نحو المناطق الغربية والجنوبية حتى حضرموت التي تنتج آخر دفعات العسل في منتصف نوفمبر تقريبا.
ويبين أن النحال اليمني ينتظر هذا الموسم عاماً كاملاً، ويستعد له بحالة استنفار في الجبال والوديان، نظراً لما يمثله من فرصة اقتصادية حقيقية تعزز دخل آلاف الأسر اليمنية.
أهمية شجرة السدر
من جهته، يؤكد المهندس نافع العبسي، الخبير في النحل والعسل، أن هذا الموسم يمثل العمود الفقري لصناعة العسل في اليمن نظراً لما يمتاز به من خصائص فريدة جعلته يحظى باهتمام واسع محلياً ودولياً.
ويقول العبسي إن شجرة السدر حاضرة بقوة في وجدان اليمنيين وموروثهم الزراعي، وقد ارتبطت حياتهم بها منذ القدم، بوصفها من أهم الأشجار المنتشرة في معظم محافظات البلاد، خاصةً في المناطق الجبلية والقارية، منوهاً إلى أن هذا الانتشار الواسع أسهم في جعل عسل السدر منتجاً استراتيجياً يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر دخلاً مباشراً لآلاف النحالين والمزارعين، إضافة إلى مكانته البارزة في سوق التصدير.
ويوضح أن نجاح الموسم يتطلب إدارة دقيقة، وفهماً لتوقيت إزهار أشجار السدر في كل منطقة، حيث تبدأ عملية الإزهار عادة في نهاية سبتمبر وتستمر حتى نوفمبر بعد انقضاء موسم الأمطار، وعندما تكون الظروف المناخية مناسبة من حيث توقف الرياح واعتدال الأجواء، ترتفع جودة العسل ويزداد إنتاجه، فينعكس ذلك على لونه ورائحته وقيمته الغذائية.
ورغم هذا التميز، يشير العبسي إلى أن موسم السدر يواجه تحديات عديدة، أبرزها التغيرات المناخية وارتفاع الرطوبة في بعض المناطق، ما يؤدي أحياناً إلى انخفاض الإنتاج، أما المناطق الساحلية الحارة فتمتاز بطبيعة مختلفة لنسبة السكريات قد تؤثر قليلاً في النكهة، غير أن جودة المنتج تظل في مستوى ممتاز، فكلما قلت الرطوبة وازدادت كثافة أشجار السدر؛ ارتفعت جودة العسل.
التنوع المناخي
ويتميز عسل السدر بطعم قوي ونكهة خاصة، تختلف حدتها باختلاف طبيعة البيئة المحيطة بالشجرة، وهذا ما يمنح كل منطقة بصمتها المميزة ويخلق تنوعاً واسعاً في المنتج، ومن أهم المناطق المعروفة بإنتاج عسل السدر: [وادي حضرموت، وادي زبيد، وادي سهام، سهول تهامة، إضافة إلى مناطق وصاب وعتمة وجبال يريم والبيضاء وغيرها].
ويقول العبسي إن التنوع المناخي في بلادنا نعمة كبيرة تتيح تعدد مواسم الإنتاج على مدار العام، لكنه يتطلب تكاملاً أكبر بين النحالين والجهات المختصة من أجل تطوير الأساليب الحديثة في تربية النحل وحماية الموارد البيئية، والهدف كما يقول هو الحفاظ على المكانة العالمية لعسل السدر اليمني وضمان استدامة هذا الكنز الطبيعي الذي تتباهى به اليمن عبر التاريخ.





