تقاريرصحافة

تمور تهامة يفتح ملف القيمة المضافة

مزارعون: لو توفرت لنا معدات حديثة، يمكننا إنتاج تمور بمواصفات تصديرية تنافسية

بين وفرة الإنتاج وموسم الحصاد

اليمن الزراعية: أيوب أحمد هادي

مع اقتراب نهاية شهور الصيف اللاهبة، تستعيد سهول تهامة، الممتدة بمحاذاة البحر الأحمر غربي اليمن، حيويتها المعتادة في واحد من أهم مواسمها الزراعية وأكثرها ارتباطًا بالهوية الثقافية والاقتصادية المحلية.
إنه موسم جني التمور، حيث تتحول الحقول والواحات في مناطق مثل “النخيلة” بالدريهمي، و”الجاح” بمديرية بيت الفقيه، و”السويق” في التحيتا، إلى ساحات عمل نابضة بالحركة والتفاعل المجتمعي، يجتمع فيها المزارعون وأفراد العائلات والعاملون المؤقتون في مشهد سنوي يُعيد رسم العلاقة العضوية بين الإنسان والأرض.
ومع كل موسم جديد، تتجدد التساؤلات حول مدى نجاعة الآليات المتبعة في تعزيز إنتاجية هذا القطاع الحيوي، وعلى رأسها الزراعة التعاقدية، والتقنيات المستخدمة في التجفيف والتغليف، باعتبارها ركائز أساسية لرفع القيمة المضافة للتمور وتحسين قدرتها التنافسية في السوقين المحلي والدولي.
إنتاج وفير وطموحات مؤجلة
وفي جولة ميدانية شملت عددًا من المزارع في مديرية التحيتا، يصف المزارع أحمد دلب موسم 2025 بأنه من أكثر المواسم وفرة من حيث الإنتاج، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى استمرار التحديات التي تعترض طريق تحسين الجودة، خصوصًا في مراحل ما بعد الحصاد.
ويقول في تصريح لصحيفة “اليمن الزراعية”: “الحمد لله، الكمية هذا الموسم كبيرة جدًا، ولكننا لا نزال نفتقد إلى تقنيات التجفيف الصناعي، ونستخدم الطرق التقليدية التي تعتمد على أشعة الشمس، مما قد يؤثر على سلامة التمور ويعرضها للتلف أو التلوث”، منوهًا إلى أن “هذه الإشكالية لا تقف عند حدود التجفيف فقط، بل تمتد إلى التغليف، الذي لا يزال يعتمد على عبوات بدائية تفتقر إلى المواصفات المطلوبة للأسواق الحديثة”. من جانبه يؤكد المزارع علي سليمان أهيف من المديرية نفسها أن “غياب المجففات الصناعية، وضعف الدعم الفني والمالي، هي عوامل تحرم المزارعين من تحقيق قيمة مضافة حقيقية للتمور، رغم جودتها الطبيعية”. قائلاً “لو توفرت لنا معدات حديثة، يمكننا إنتاج تمور بمواصفات تصديرية تنافسية”.
من جانبه، يبدي المزارع عبد الرحمن بلغيث من مديرية الدريهمي تفاؤله بالتجربة الجديدة التي خاضها هذا العام في إطار الزراعة التعاقدية، حيث يقول: “لم يسبق لي أن دخلت في عقد زراعي، لكن هذا الموسم، قامت الجمعية بدور الوسيط بيننا وبين أحد التجار، وتم توقيع عقود واضحة بشروط مناسبة.. نحن الآن في مرحلة الجني، ونسعى لتجهيز الكمية المتفق عليها، فالزراعة التعاقدية فكرة ممتازة، لكنها تحتاج إلى تنظيم أكبر وتثقيف المزارعين بحقوقهم القانونية”.
جهود تحتاج إلى تمكين مؤسسي
وفي إطار الجهود المبذولة لتنظيم موسم جني التمور في المنطقة، يؤكد المدير التنفيذي لجمعية البلدة الطيبة الأستاذ أحمد القادري، على الدور المحوري للجمعية في دعم المزارعين وتسهيل عمليات التسويق.
ويقول: “تعمل الجمعية بالتعاون مع وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية والجهات المعنية لتنظيم عمليات جني وتسويق التمور، من خلال توفير الأكياس البلاستيكية، وإرسال الفرق الإرشادية لتوجيه المزارعين نحو أفضل ممارسات الجني والتجفيف، وضمان جودة المنتج.”
ويضيف: “نجحنا في الموسم الماضي في إبرام عقود تسويقية لصالح 280 مزارعًا، ونعمل هذا الموسم على تعزيز الزراعة التعاقدية لضمان حصول المزارعين على أسعار عادلة، ومع ذلك، نواجه تحديات مثل تأخر بعض التجار في استيعاب الكميات، وضعف البنية التحتية اللازمة للتغليف والمعالجة، مشيراً إلى أن الجمعية تواصل تطوير شراكاتها مع الجهات التسويقية والصناعية لضمان تصريف التمور بشكل مستدام، ودعا إلى دعم أكبر لرفع مستوى الوعي التقني لدى المزارعين، وتوفير أصناف ذات جودة عالمية مثل “المجدول.”
ويؤكد أن الجمعية، بالتعاون مع شركائها، ماضية في تنفيذ مشاريع تنموية تستهدف تطوير آليات ما بعد الحصاد، لافتًا إلى أن الجمعية تعمل الآن على تركيب ثلاثة مجففات صناعية، لافتاً إلى أن إدخال تقنيات التجفيف الصناعي سيسهم في الحد من التلف، وتحسين القيمة المضافة، ورفع العائد الاقتصادي للمزارعين.
ويبين القادري أن مشروع تركيب المجففات الصناعية للتمور يُعد خطوة نوعية نحو تحسين جودة المنتج المحلي، والارتقاء بمواصفات التمور التهامية لتواكب متطلبات الأسواق الحديثة، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي”.
مراهنة على البنية المؤسسية
وعلى صعيد متصل يوضح المدير التنفيذي لفرع الاتحاد التعاوني الزراعي في محافظة الحديدة الأستاذ هادي عبدالرحمن هيج أن الاتحاد يُولي اهتمامًا متزايدًا بمحصول التمور ضمن برنامج سلاسل القيمة، ويعمل على تفعيل الزراعة التعاقدية كآلية استراتيجية لضمان استدامة الإنتاج وتحقيق العدالة بين الفاعلين في القطاع.
ويقول هيج: نفذنا عدة ورش تدريبية لمسؤولي التعاقدات في الجمعيات الزراعية، لتعريفهم بنظم العقود وحقوق المزارعين، كما نتابع تنفيذ مدارس حقلية بالتعاون مع هيئة تطوير تهامة والإرشاد الزراعي، لتدريب المزارعين على آليات الحصاد والتجفيف السليم”.
ويؤكد أن الاتحاد قام بتوزيع خيشات خاصة على المزارعين للحفاظ على جودة المحصول أثناء الجني، في خطوة تهدف إلى تقليل نسبة التلف وتحسين الممارسات الزراعية، بالإضافة إلى توزيع عدد من المجففات الصناعية على جمعية التحيتا والدريهمي وبيت الفقية برعاية من وزارة الزراعة بالتعاون مع اللجنة الزراعية في المحافظة وبتمويل من وحدة التمويل الزراعي والسمكي بالمحافظة وبإشراف مباشر من الاتحاد التعاوني الزراعي.
نحو منظومة متكاملة لسلاسل القيمة
وحول جهود تطوير سلاسل القيمة، يوضح هيج أن الاتحاد يعمل على التنسيق مع ضابط سلسلة التمور في وزارة الزراعة، لإلزام التجار بالتعاقد مع الجمعيات، التي تقوم بدورها بالتنسيق مع المزارعين لتوفير الكميات المطلوبة، مبيناً أنهم يطمحون للوصول إلى إيجاد تعاقدات لتسويق 3,000 طن موزعة على الجمعيات التالية جمعية بيت الفقيه 1250طن البلده الطيبة بالتحيتا 1250طن جمعية الدريهمي 500 طن.
ويقوم فرع الاتحاد بالحديدة بالإشراف المباشر على آلية تتفيد وتركيب المجففات ومتابعة الجمعيات بالتوعية بأهمية المجففات من أجل جودة المنتج ونظافة وإلزام التجار بشراء المحصول.
ويقول: “نحن في مرحلة تأسيسية، ونسعى إلى بناء منظومة متكاملة تشمل الزراعة، والتجفيف، والتغليف، والتسويق، ولدينا خطط لتأسيس معامل تغليف وتجفيف خاصة بكل جمعية، بما يسهم في تعزيز القيمة المضافة للمنتج”.
ويواصل: “نسعى إلى استقطاب المستثمرين نحو هذا القطاع الواعد، ونعمل بالتعاون مع الجهات المعنية على توفير تسهيلات خاصة، من بينها تخفيف الجمارك على مدخلات الإنتاج الزراعي، وتوفير بيئة استثمارية محفزة، مشيراً إلى أن “الطلب على التمور المحلية في تزايد، خصوصًا ذات الجودة العالية، وهذا يتطلب منا تطوير البنية التحتية، والارتقاء بالمعايير التسويقية، وتعزيز الربط بين المزارع والأسواق والمصانع”.
وبين ما تحقق من خطوات في مجال التوعية وتنظيم العقود، وما يزال بحاجة إلى تطوير تقني ومؤسسي، وتظل تمور تهامة موردًا استراتيجيًا واعدًا، يمكن أن يتحول إلى رافد اقتصادي حيوي يسهم في دعم الأمن الغذائي، وتنمية الريف، وتوفير فرص عمل مستدامة.
لكن تحقيق هذا التحول يتطلب استراتيجية متكاملة، تنطلق من المزرعة ولا تنتهي إلا على رفوف الأسواق العالمية.
ويبدو أن مفتاح هذه الاستراتيجية يكمن في دعم الزراعة التعاقدية، وتطوير آليات التجفيف والتغليف، وتمكين الجمعيات التعاونية من القيام بدورها التنموي الكامل، ضمن شراكة حقيقية تجمع القطاعين العام والخاص، وتستثمر في الإنسان كما في الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى