
ناصر الدباء
تحتل شجرة السدر، أو كما تُعرف محليًا في اليمن بـ(شجرة العلب)، مكانة مرموقة ليست فقط في المشهد البيئي والاقتصادي، بل تتغلغل قيمتها في النسيج الثقافي والروحي للبلاد. هذه الشجرة المباركة، التي تُعد رمزًا للصمود في وجه الظروف القاسية، تمثل اليوم ثروة طبيعية متعددة الاستخدامات، من مقاومة التصحر إلى إنتاج أجود أنواع العسل في العالم.
الأهمية البيئية والاقتصادية: درع ضد التصحر ومصنع للعسل الفاخر
تُعد شجرة العلب (السدر) بطلًا بيئيًا بلا منازع، حيث تُستخدم بكثافة في مشاريع مقاومة التصحر وإنشاء الأحزمة الخضراء، بفضل سرعة نموها وقدرتها العالية على تحمل الجفاف والحرارة العالية، والنمو في مختلف أنواع التربة كالرملية والصفراء.
لكن الأهمية الاقتصادية الأبرز للعلب تكمن في كونها المصدر الرئيس لعسل السدر اليمني، الذي يُعتبر من أندر وأغلى أنواع العسل عالميًا. ينتج النحل هذا العسل الفاخر من رحيق أزهار السدر، ويشتهر بصفات فريدة: لون بني داكن، طعم غني، ورائحة زكية.
مواسم وأصناف العسل اليمني:
يبدأ موسم جني عسل السدر في اليمن من شهر أكتوبر ويستمر حتى ديسمبر. وتشتهر اليمن بإنتاج أصناف ملكية منه في عدة مناطق، أبرزها:
1-عسل السدر الحضرمي (الدوعني): نسبة لوادي دوعن بحضرموت، يُعد أساس شهرة العسل اليمني، ويزخر بتركيز عالٍ من مضادات الأكسدة.
2-عسل السدر العصيمي الملكي: يُنتج في منطقة العصيمات بمحافظة عمران، ويتميز بكثافته ونقائه ومحتواه المرتفع من الإنزيمات.
3-عسل السدر الجرداني الشبواني: يُنتج في شبوة (منطقة جردان)، ويتميز بلونه البني الفاتح.
-وإلى جانب العسل، تُستخدم أوراق الشجرة أيضًا في تغذية المواشي، وتُعد الشجرة مصدرًا مهمًا للخشب والحطب.
كنز طبي وصحي: ثمار وأوراق بفوائد جمة
تتعدد استخدامات شجرة العلب (السدر) في الطب الشعبي اليمني، فكل جزء منها يحمل قيمة علاجية وجمالية:
- فوائد الثمار (الدوم-النبق):
يُعرف نبق السدر اليمني (الدوم) بأنه غني بالفيتامينات والمعادن الأساسية مثل فيتامين ج، فيتامين أ، الحديد، والكالسيوم. وله فوائد صحية متعددة:
1 -تقوية المناعة وزيادة الطاقة.
2 -دعم صحة الجهاز الهضمي وعلاج الإمساك والإسهال.
3 -تقوية الدم لاحتوائه على الحديد.
4 -علاج أمراض الجهاز التنفسي والصدر. - فوائد الأوراق:
تُستخدم أوراق السدر المجففة والمطحونة في:
•الاستخدامات الطبية: علاج الجروح والالتهابات، وتنظيف وتطهير الشعر والبشرة.
•الاستخدامات الجمالية: تُصنع منها أقنعة طبيعية للشعر والجسم، وتُستخدم لتغذية الشعر وتحفيز نموه.
التوسع الزراعي: دعم الإنتاج وتحقيق الاكتفاء
نظرًا لهذه القيمة الشاملة، تتجه الجهود الحكومية والمجتمعية في اليمن نحو التوسع في زراعة السدر (العلب). فمؤخرًا، تم تدشين مشاريع لبذر وتشتيل مئات الآلاف من شتلات السدر، كجزء من خطط التوسع في التشجير وزيادة الرقعة الزراعية ودعم المزارعين ومربي النحل.
إرشادات الزراعة
تُفضل زراعة السدر في موسمين رئيسيين:
•أواخر الشتاء وبداية الربيع: من فبراير إلى مايو.
•الخريف: من سبتمبر إلى مطلع أكتوبر.
تتحمل الشجرة الظروف الحارة والجافة والتربة الفقيرة، ويمكن زراعتها بالبذور أو باستخدام العُقل (الأغصان)، حيث تُعد الزراعة بالعُقل أسرع وأفضل في كثير من الأحيان.
إن شجرة السدر العلب هي بحق “سدرة” اليمن الخضراء، التي تجمع بين المقاومة البيئية، والثروة الاقتصادية المتمثلة في عسلها الأغلى، والكنز الغذائي والعلاجي الذي لا يُقدر بثمن، مؤكدة بذلك ارتباطها الوثيق بالهوية الزراعية والثقافية للبلاد.




