تقاريرصحافة

تهامة سلة الجزيرة العربية وأغنى المناطق اليمنية بالموارد الاقتصادية

مسؤولون ومهندسون وأكاديميون في حديثهم لـ “اليمن الزراعية”:

اليمن الزراعية| الحسين اليزيدي

تمتلك تهامة موقعاً جغرافياً مميزاً على الساحل الغربي، ومناخاً دافئاً يسمح بالإنتاج الزراعي طوال العام، ومساحات زراعية شاسعة ما تزال غير مستغلة بالشكل الكافي، ما يجعل الاهتمام بها ضرورة وطنية نحو الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة.
وتزخر تهامة بمقومات اقتصادية متنوعة تشمل تنوعاً نباتياً واسعاً من الحبوب والخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية، وثروة حيوانية تعتمد على سلالات بلدية متأقلمة وقادرة على إنتاج اللحوم والألبان، إلى جانب ثروة سمكية غنية يدعمها تنوع بيئي بحري فريد وقوى عاملة واسعة في قطاع الصيد، كما تتمتع بتنوع في التربة والموارد المائية، خاصة في بطون الأودية، ما يؤهلها لتكون خزّاناً تنموياً استراتيجياً إذا ما توفرت الرؤية الاستثمارية المتكاملة واستُثمرت مواردها بصورة علمية ومستدامة.
في هذا السياق يؤكد وكيل وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية لقطاع الثروة النباتية الدكتور إبراهيم السراجي أن تهامة والشريط الساحلي الغربي يتمتعان بخصائص زراعية فريدة لا تتوفر مجتمعة في أي إقليم زراعي آخر في البلاد، مشيراً إلى أن الموقع الجغرافي لتهامة الممتد على الساحل الغربي يوفر مناخاً دافئاً معتدلاً يسمح بالزراعة على مدار العام دون توقف، وهو ما يمنح تهامة ميزة تنافسية كبيرة في استدامة الإنتاج الزراعي.
ويبيّن السراجي أن تهامة تُعد من أكثر المناطق تنوعاً في الإنتاج النباتي، حيث تشمل زراعتها محاصيل الحبوب مثل القمح، والذرة الرفيعة، والدخن، إذ تجاوزت المساحة المزروعة بالحبوب 170 ألف هكتار، بإنتاج يزيد على 153 ألف طن، كما تشكل الخضروات المزروعة في تهامة، ومنها الطماطم والبصل والبطاطس والفلفل والبامية، مصدراً مهماً للدخل الغذائي والنقدي، إلى جانب محاصيل الفاكهة التي تشمل المانجو والموز والبابايا والجوافة والليمون، والتي تجاوز إنتاجها 260 ألف طن.
ويشير إلى أهمية البقوليات مثل الفاصوليا واللوبيا والسمسم في دعم الأمن الغذائي، إضافة إلى المحاصيل النقدية ذات القيمة الاقتصادية العالية، وعلى رأسها السمسم والقطن في بعض مناطق تهامة، مؤكداً أن زراعة القمح في تهامة حققت نجاحاً لافتاً، حيث بلغت إنتاجية الهكتار نحو ثلاثة أطنان، وهو معدل منافس إقليمياً، ويعكس القدرة الحقيقية لتهامة على الإسهام في سد فجوة الاستيراد الغذائي، منوهاً إلى ما تزخر به تهامة من موارد نباتية طبيعية، تشمل النباتات الطبية والعطرية التي تنمو برياً في الجبال والأودية والسهول، وتمثل مورداً اقتصادياً واعداً لم يُستثمر بعد بالشكل الكافي.
الثروة الحيوانية في تهامة
من جهته، يشير المهندس المختص في الثروة الحيوانية خالد الحاج إلى أن تهامة تمتلك ثروة حيوانية “هائلة”، تتمثل في سلالات بلدية أصيلة مقاومة للأمراض ومتأقلمة مع ظروف المنطقة المناخية.
ويشير إلى أن هذه السلالات تمثل ميزة استراتيجية لتهامة مقارنة بالسلالات المستوردة والمهجنة، التي غالباً ما تواجه صعوبات صحية في بيئة تهامة وتتطلب كلفة رعاية أعلى.
ويقول إن الثروة الحيوانية في تهامة قادرة على تلبية جانبين إنتاجيين مهمين هما الألبان واللحوم، إلا أن النجاح في هذين النشاطين ما يزال مرهوناً بتحسين أساليب التربية والتغذية، مؤكداً أن أساس الإنتاج في تهامة يبدأ من التغذية السليمة، مشيراً إلى أن نقص البروتين في علائق الحيوانات بتهامة يُعد سبباً مباشراً في انخفاض إنتاج الحليب، ما يدفع المزارع إلى التخلص من العجول بدلاً من الاستثمار في تربيتها وتسمينها.
وفي مواجهة هذه التحديات، يبرز دور الجمعيات الزراعية التي أُنشئت في مديريات تهامة كإحدى أهم أدوات التدخل لتنظيم قطاع الثروة الحيوانية، موضحاً أن هذه الجمعيات، بدعم من الجهات الرسمية، تعمل على ربط المزارعين في تهامة بمراكز تجميع الحليب، وتوفير أسعار مشجعة تضمن دخلاً مستقراً للمزارع، مبيناً أن شراء الحليب من مزارعي تهامة بأسعار مدعومة أسهم في تشجيعهم على الاحتفاظ بالعجول وتحسين إدارة قطعانهم، بدلاً من بيعها في مراحل مبكرة.
ويشير الحاج إلى أن تهامة تشهد مواسم وفرة في الأعلاف، لكنها في الوقت ذاته تعاني من فاقد كبير بسبب سوء التخزين والتقديم، حيث يُهدر جزء كبير من العلف تحت أقدام الحيوانات، داعياً إلى الاهتمام بصناعة تقنيات فرم وكبس الأعلاف في تهامة، لما لها من أثر مباشر في تقليل الفاقد، وخفض تكاليف النقل، وتحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة، مؤكداً أن هذه التدخلات من شأنها أن تعزز الاستفادة من ميزات تهامة الطبيعية، وتحول الأعلاف من عبء موسمي إلى رصيد استراتيجي مستدام.
ويؤكد أن تطوير الثروة الحيوانية في تهامة لا يمكن أن يتحقق دون تركيز حقيقي على الإرشاد الزراعي، باعتباره الوسيلة الأكثر فاعلية للوصول إلى المزارعين. فالدولة – كما يقول – لا تستطيع أن تصل إلى كل مزارع، لكن عبر الجمعيات وفرسان التنمية يمكن نقل المعرفة، وتحسين الممارسات، وبناء وعي اقتصادي جديد لدى مربي المواشي في تهامة.
تنوع بيئي
وفي القطاع السمكي يؤكد نائب رئيس الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر المهندس عبدالملك صبرة أن تهامة تُعد من أغنى المناطق اليمنية بالثروة السمكية، لما تمتلكه من مقومات طبيعية وبشرية تؤهلها لتكون رافداً اقتصادياً أساسياً وركيزة مهمة للأمن الغذائي الوطني، إذا ما تم استغلال هذه الثروة بصورة علمية ومستدامة.
ويشير صبرة إلى أن الموقع الاستراتيجي لتهامة الممتد على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر يجعلها من أهم مناطق الصيد وتسويق الأسماك والأحياء البحرية في البلاد، حيث يمتد الساحل التهامي من باب المندب جنوباً وحتى مديرية ميدي شمالاً بمحافظة حجة، وجميعها تقع ضمن نطاق عمل الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر الأحمر.
ويوضح صبرة أن الأسواق المحلية في تهامة تمثل رافداً مهماً لتصريف المنتجات السمكية، إلى جانب بعض الأسواق في المحافظات الأخرى، إلا أن هذا الجانب لم يُستثمر بالشكل المطلوب. وأكد أن المرحلة الراهنة تتطلب وضع خطط استراتيجية لتوسيع دائرة التسويق المحلي، من خلال تطوير منظومات التجميد والتغليف، وفتح أسواق جديدة قادرة على استيعاب كميات الإنتاج، خاصة في ظل توقف التصدير الخارجي منذ فترة.
ويؤكد نائب رئيس الهيئة أن الثروة السمكية تُعد من أهم الثروات الوطنية ذات التأثير المباشر على الاقتصاد، شريطة استثمارها بصورة مستدامة، موضحاً أن الهيئة تعمل، في إطار برنامج حكومة التغيير والبناء، على تنفيذ خطط استراتيجية تهدف إلى تطوير البنية التحتية لموانئ ومراكز الإنزال السمكي في المناطق الساحلية التهامية.
ويبيّن أن الهيئة نفذت أعمال صيانة شاملة لعدد من الموانئ والمراكز، إلى جانب مشاريع إنشائية جديدة، وتحسين مستوى الخدمات وأتمتتها إلكترونياً، بما يلبي احتياجات الصيادين والعاملين في القطاع، مضيفاً أن تطوير قطاع الثروة السمكية في تهامة لا يمكن أن يكتمل دون الاهتمام بالدراسات والأبحاث العلمية في مجالات الأحياء البحرية وعلوم البحار، لوضع آليات واضحة تحدد طرق الصيد السليمة والفترات المناسبة لكل نوع من الأسماك على مدار العام.
تنوع في التربة والموارد المائية
وتمتلك تهامة تنوعاً في التربة والموارد المائية، إلا أن هذه الإمكانات ما تزال غير مستغلة بالشكل الأمثل، كما يقول أستاذ الأراضي والمياه بجامعتي صنعاء وعدن الدكتور عبدالإله أبو غانم الذي يسلط الضوء على الخصائص الطبيعية والاقتصادية لأراضي تهامة، والتحديات التي تواجه تنميتها.
ويوضح أبو غانم أن أراضي تهامة تمتد على طول الساحل الغربي لليمن، بدءاً من مضيق باب المندب جنوباً، مروراً بمدينة النور، التي كان من المخطط أن تكون نقطة ربط مع القرن الأفريقي عبر مشروع جسر توقف لاحقاً، وصولاً إلى شمال الساحل.
ويشير أبو غانم إلى أن قرب تهامة من البحر يؤدي إلى ارتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية، ما تسبب في انتشار الأراضي المالحة والسبخات، خصوصاً في مناطق مثل الخوخة والمخا، حيث تندرج هذه الأراضي ضمن الترب الجافة الملحية، وتحتاج إلى كميات من المياه العذبة أو شبه العذبة لغسل الأملاح واستصلاحها.
ويرى أن الحل العلمي يكمن في تأمين مصادر مياه غير مالحة، سواء من خلال حصاد مياه السيول أو إنشاء سدود تخزينية، على غرار المشاريع التي نُفذت في ثمانينيات القرن الماضي في وادي زبيد وسردود ورماع ورسيان، والتي أثبتت جدواها الاقتصادية ورفعت الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ.
ويقول أبو غانم إن الأودية تمثل المصدر الأهم للمياه العذبة في تهامة، إذ تبقى مياهها عذبة حتى نهاية مصباتها قبل أن تتأثر بالملوحة. ومن هنا، تبرز أهمية حماية هذه الموارد، وإنشاء سدود وحواجز مائية لاختزان المياه العذبة، واستخدامها في ري الأراضي المالحة وشبه المالحة وغير المالحة، بما يضمن رفع الإنتاجية الزراعية وتحقيق تنمية مستدامة في تهامة.

السراجي: تهامة قادرة على قيادة نهضة زراعية وطنية بإمكاناتها الفريدة

الحاج: ثروة تهامة الحيوانية رافعة واعدة للأمن الغذائي والتنمية الريفية

صبرة: ساحل تهامة ثروة بحرية قادرة على تحويل حياة الصيادين ودعم الاقتصاد الوطني

أبو غانم: أراضي تهامة تحمل فرصاً زراعية كبرى تنتظر الاستثمار العلمي الصحيح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى