قصص نجاح

قصة نجاح من أرض باجل

من السيسبان إلى أعلاف الدواجن

اليمن الزراعية:عبدالكريم العامري

في زمن التحديات، حين تزداد الصعوبات وتقل الإمكانات، يولد الإبداع الحقيقي من رحم الحاجة. في مديرية باجل، وعلى أرضٍ اعتادت أن تعطي رغم قسوة الظروف، سطرت تجربة محلية بسيطة في أدواتها، عظيمة في أثرها، قصة نجاح جديدة تؤكد أن الاعتماد على الذات ليس شعارًا، بل ممارسة يومية يصنعها المزارعون في الميدان.
وسط واقع يشهد استيراد أعلاف الدواجن بمبالغ طائلة، رغم توفر الموارد النباتية محليًا، تساءل أحد المزارعين: لماذا نبحث عن الحل خارج الأرض، بينما الحل موجود فيها؟ من هنا بدأت الفكرة، وتحولت التساؤلات إلى عمل، والعمل إلى ابتكار.
فكرة تتحول إلى واقع
بجهد ذاتي، تمكن المزارع مهران علي سليمان من ابتكار آلة محلية لطحن قرون شجرة السيسبان، مستهدفًا إنتاج بدائل أعلاف للدواجن من موارد نباتية متاحة، وبأقل التكاليف. لم يكن الابتكار وليد لحظة، بل ثمرة معرفة تراكمية وتجارب ميدانية طويلة، آمن خلالها بأن العلم حين يلتقي بالأرض، يولد حلولًا مستدامة.
الآلة المبتكرة لا تقتصر وظيفتها على الطحن فقط، بل تمثل جزءًا من منظومة إنتاج متكاملة، تقوم على خلط قرون السيسبان بنسبة 30%، مع الدخن أو الذرة الرفيعة كمصادر للطاقة بنسبة 35%، وكسبة السمسم كمصدر للبروتين، مع معادلة بسيطة بالأحماض الأمينية، لينتج عنها علف محلي ذو قيمة غذائية عالية، قادر على منافسة المستورد من حيث الجودة والتكلفة، وبطاقة إنتاجية تصل إلى طنين يوميًا.
لا شيء يُهدر
ما يميز هذه التجربة أنها لم تتوقف عند إنتاج العلف فقط، بل ذهبت خطوة أبعد في استثمار المخلفات الناتجة عن عملية الطحن، وتحويلها إلى سماد عضوي وفرشة للدواجن، في نموذج عملي يعكس فهمًا عميقًا لمفهوم تعظيم القيمة المضافة، وتحويل الفاقد إلى مورد نافع يخدم المزارع والبيئة معًا.
رسالة أمل من الميدان
هذه القصة ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات النجاحات التي تتشكل يوميًا في الحقول والقرى، بعيدًا عن الأضواء. نجاح يؤكد أن الشعب القادر على مواجهة التحديات الكبرى، قادر – بتوفيق الله – على الإنتاج والإبداع، حين تتوفر الإرادة والمعرفة، ويؤمن الإنسان بقدراته.
تجربة مهران علي سليمان تقول بوضوح إن الحلول الحقيقية تبدأ من الميدان، وإن الابتكار المجتمعي هو الطريق الأقصر نحو الاكتفاء الذاتي، وتطوير سلاسل القيمة الزراعية، وخفض تكاليف الإنتاج، وتحقيق الأمن الغذائي.

حين يتكلم العمل
من مديرية باجل، خرجت هذه القصة لتؤكد أن اليمن بلد الفرص الكامنة، وأن طاقاته لم تُستنزف بعد، وأن الإبداع حين يُمنح مساحة، قادر على صناعة المستحيل. إنها قصة نجاح صنعتها اليد اليمنية، والفكرة الصادقة، والعمل الدؤوب… قصة تستحق أن تُروى، وأن تُحتذى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى