تقاريرصحافة

الاقتصـاد المجتمعي

تفكيــــك الرأسماليــــة مـــن الأسفــــل

يعتمد علي مهدي سيلان وأفراد أسرته على تربية النحل، ورعي الأغنام والماعز كمصدر رئيس للرزق، حيث يعملون بجد في رعاية النحل لإنتاج العسل الطبيعي وبيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى ذلك، يقومون برعي الأغنام والماعز التي تساعدهم في تأمين احتياجاتهم المعيشية، مما يسهم في دعمهم اقتصاديًا ويعزز من استدامة معيشتهم في الريف.

اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي

المزارع سيلان من ريف محافظة حجة واحد من آلاف المزارعين في المحافظة، الذين تشكل الزراعة المصدر الرئيس والوحيد للدخل في ظل الظروف القاسية التي تعيشها البلاد جراء العدوان والحصار.
ويقول سيلان إن خلايا النحل التي يمتلكها تشكل اقتصاده الرئيس بعد سنوات من الغربة والضياع.
ويضيف: “في البداية قمت بشراء مجموعة من خلايا النحل بدأت بتربيتها ورعايتها والتنقل بها من مكان لآخر للبحث عن العسل الخالص ذي الجودة المرتفعة والحمدلله من سنة لأخرى زادت عدد الخلايا وكمية الإنتاج رغم الصعوبات والمعوقات، مؤكدا أن حالة الركود الصعبة، تكسرها العودة الحقيقية للأرض وتربية الثروة الحيوانية.
ويواصل:”أولادي يقومون برعاية الأغنام والماعز بينما أنا إلى جانب الاهتمام بالنحل قمت باستصلاح الأراضي الزراعية القديمة بعد سنوات من الخراب والعزوف عن زراعتها”.
أما أسرة أحمد، فهي واحدة من عشرات الأسر في أمانة العاصمة التي تعتمد على صناعة الحلويات والمنظفات والعصائر الطبيعية المحلية بجودة عالية، وطعم لذيذ في توجه حقيقي للاكتفاء الأسري والاعتماد على الصناعة كمصدر دخل.
وتقول أم أحمد إن الحالة المادية بعد 2015 واستشهاد ولدها في العام 2016، دفعت بالأسرة إلى البحث عن مصدر دخل فكانت صناعة الحلويات والعصائر والمنظفات مصدر الأسرة خصوصا في ظل التوجه الحقيقي للدولة للاهتمام بالأسر المنتحة بالتدريب والتأهيل.

الاقتصاد المجتمعي ركيزة للاقتصاد الوطني
تعتمد آلاف الأسر اليمنية في الريف اليمني، وحاليا في مراكز الحضر، على الاقتصاد المجتمعي في الزراعة والصناعات التحويلية بالإضافة إلى تربية الثروة الحيوانية والنحل، فبحسب احصاءات المركز الوطني للمعلومات في بلادنا؛ يستوعب القطاع الزراعي 54% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، ليشكل الاقتصاد المجتمعي ركيزة للاقتصاد الوطني في ظل ماتمر به البلاد من عدوان وحصار بري وجوي.
وفي هذا الشأن يرى رئيس قطاع التنسيق الميداني في مؤسسة بنيان التنموية علي ماهر أن أهمية الاقتصاد المجتمعي ودوره الفاعل في المنهجية التنموية تستند إلى المبادئ الإسلامية.
ويقول: الاقتصاد المجتمعي -في ضوء منهجية العمل التعاوني القائم على هدى الله- أحد السياسات الرئيسية للعمل التنموي، الذي يضم جميع الأسر والمزارعين ومربي الثروة الحيوانية دون استثناء، مما يجعله عنصرًا محوريًا في الاقتصاد الوطني، ويشدد على أن هذا النوع من الاقتصاد يتجاوز الأنظمة التقليدية الأخرى كالإقتصاد الحكومي والخاص والاقتصاد غير المهيكل، لافتًا إلى أهمية التركيز عليه خاصة في ظل الظروف الراهنة من حصار وعدوان.
ويؤكد، أن الاقتصاد المجتمعي يمثل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني يجب أن تحظى باهتمام الشركاء الحكوميين والمجتمعيين، بما في ذلك القطاع الحكومي والخاص، إضافة إلى المؤسسات والجمعيات التعاونية الزراعية، والتركيز على ضرورة تفعيل المبادرات المجتمعية الذاتية التي تعزز من قدرة المجتمع على الاستمرارية والنمو لتحسين الجوانب الخدمية في الريف التي تضمن استقرار المزارعين واستغلال الموارد المتاحة في مجتمعاتهم، للمساهمة في تحقيق الهجرة العكسية، ودعم السياسات الوطنية الأخرى مثل سلاسل القيمة والتنمية المستدامة، وفاتورة الاستيراد وتعزيز الأولويات الوطنية، منوها إلى أن الاهتمام بالاقتصاد المجتمعي المقاوم، من خلال دعم الأسر والأفكار المحلية، وتشجيع الاستثمار في الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية المختلفة؛ سيؤدي لدحض خطط الأعداء خصوصا في المرحلة الراهنة.
ويضيف: نراهن على قدرة حكومة التغيير والبناء على رسم السياسات اللازمة لرعاية هذا الاقتصاد وتنشيط موارده.

فرص اقتصادية
بدوره يؤكد رئيس الهيئة العامة لتنمية للمشاريع الصغيرة والأصغر أحمد الكبسي أن الاقتصاد المجتمعي يعد حجر الأساس لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ويساهم بشكل رئيسي في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأفراد المجتمع، من خلال تمكين الفئات الضعيفة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يخلق فرص تنمية محلية ويعزز من نمو الاقتصاد الوطني.
ويقول الكبسي إن الاقتصاد المجتمعي في اليمن يتضمن الزراعة المجتمعية، والصناعات الحرفية، والتعاونيات الزراعية، والمشاريع الصغيرة، والأعمال الريادية، وتختلف فروع هذا الاقتصاد حسب طبيعة النشاط المحلي وتوافر الموارد، حيث تعمل التعاونيات الزراعية على تحسين إنتاج المحاصيل مثل البن والفواكه والخضروات، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية التقليدية والمشاريع الصغيرة في مجالات التصنيع الغذائي.
ويضيف أن هذه الأنشطة تساهم في خلق فرص اقتصادية لفائدة الفئات الضعيفة أو المهمشة، وتعزز استغلال الموارد الزراعية والصناعية المتوفرة في البلاد، وتدعم التكافل الاجتماعي وتطوير المهارات المحلية، مشيرا إلى دور الهيئة في دعم وتنمية الاقتصاد المجتمعي، حيث تركز على إصلاح وتنظيم قطاع المشاريع الصغيرة والأصغر، والذي يسهم بنحو 70 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي ويعمل فيه أكثر من 50 في المائة من العمالة؛ موضحا، أن الهيئة تسعى لتقديم الدعم الفني والمهني والمالي والتسويقي للمشاريع المجتمعية، من خلال تنظيم ورش العمل التدريبية وتقديم الاستشارات اللازمة.
ورغم التحديات المالية الناتجة عن الحصار الاقتصادي، يؤكد الكبسي أن الهيئة قامت بعدد كبير من التدخلات، بما في ذلك وضع استراتيجية وطنية تشمل جميع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وإصدار قانون لتنمية المشاريع الصغيرة والأصغر، بالإضافة إلى توفير تعريف موحد للمشاريع الصغيرة لضمان العدالة في الفئات المستهدفة.
ويضيف: تم إطلاق مبادرة وطنية لخدمة الاحتضان للمشاريع الصغيرة، وقد تخرج 35 مشروعًا من الدفعة الأولى بعد 6 أشهر من الاحتضان؛ مؤكدا على أهمية الشراكة مع الجهات الحكومية المختصة، مثل وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، لتصحيح المناهج التدريبية بما يتماشى مع سوق العمل.
وفيما يتعلق بالتدخلات في مختلف المحافظات، يقول الكبسي: نفذنا دراسات مسحية لبناء قاعدة بيانات خاصة بالصناعات التقليدية على مستوى المحافظات الحرة وعلى ضوئه أقمنا دورات تدريبية تخصصية في مجالات متنوعة، اضافة إلى خطط الهيئة المستقبلية لتنمية الاقتصاد المجتمعي، والتي تتضمن تعزيز دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعمها بطرق مبتكرة تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص العمل.

المفهوم والأهمية
وفي إطار الحديث عن الاقتصاد المجتمعي في اليمن، يستعرض الدكتور خالد قاسم، رئيس قسم الاقتصاد الزراعي في كلية الزراعة والأغذية والبيئة بجامعة صنعاء، مفهوم وأهميته بأنه مصطلح جديد يهم العاملين في القطاع غير الربحي، وقد أُطلق عليه أيضًا اسم الاقتصاد التضامني، موضحا أن هذا الاقتصاد يعد أحد أدوات التنمية الاقتصادية، حيث يسعى لنقل المواطن إلى مستوى معيشي أفضل. ويُعتبر الاقتصاد الاجتماعي فرعًا من فروع علم الاقتصاد والعلوم الاجتماعية، ويرتكز على العلاقة بين السلوك الاجتماعي والنشاط الاقتصادي، ويشمل هذا الاقتصاد التعاونيات، وجمعيات المنفعة المتبادلة، والشركات المجتمعية، التي تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمع وتعزيز التضامن.
ويشير إلى أن القطاع التعاوني يلعب دورًا فعالًا في الاقتصاد الاجتماعي، وفي توفير الوظائف ويؤثر بشكل إيجابي على الناتج المحلي في العديد من الدول؛ وفي اليمن، شهد هذا القطاع نموًا ملحوظًا، مع وجود أكثر من 300 جمعية تعاونية، ولابد من رفع الوعي بأهمية الجمعيات التعاونية كشركاء محليين في التنمية، حيث يصل عدد الجمعيات التعاونية الزراعية في اليمن إلى 112 جمعية، من ضمنها 84 جمعية نشطة.
ويلفت الدكتور خالد قاسم إلى أن جائحة كورونا كشفت عن أوجه الهشاشة في الاقتصاديات العالمية، وزادت من الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، مما استدعى الدعوة إلى تبني نماذج جديدة للتنمية، ومنها الاقتصاد الاجتماعي، حيث بدأ الاقتصاد المجتمعي أو الاجتماعي والتضامني، يصبح موضوعًا ذي أهمية بالغة ضمن المنظومة الاقتصادية، لدوره الفعال في مواجهة التحديات والتناقضات التي نشأت عن نظام التنمية الرأسمالية، والتي أدت إلى تفاوت واضح بين فئات المجتمع.
ويرى أن الاقتصاد المجتمعي وسيلة لتحقيق العدالة الاقتصادية وبديلا للرأسمالية
مما يجعله يساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، ومن هذا المنطلق لابد من الاهتمام بالاقتصاد المجتمعي، كوسيلة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وكخطوة أولى نحو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وإقامة نموذج تنموي يعتمد على التكافل والتعاون بين جميع فئات المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى