صحافةمقالات

جولة إلى سوق (المحدادة والحلـقـة) فـي صنعاء القديمة

بمجرد أن تطأ قدميك صنعاء القديمة حتى تشعر بالتاريخ يزاحمك في مداخل باب اليمن، الباب الرئيس لأقدم المدن اليمنية الضاربة في عمق التاريخ.

هذه المدينة كشيخ وقور تتخذ من هضبة صغيرة لا تبعد كثيراً عن جبل نقم، موقعاً استراتيجياً، وقبلة للزوار، والسياح من الداخل والخارج.
في هذه المدينة العتيقة تتوزع الأسواق في جنباتها كخيوط العنكبوت، وأحد تلك الأسواق، بل وأهمها سوق المحدادة، وسوق الحلقة.
هذه الأسواق كانت وما تزال -رغم التراجع الكبير- وجهة المزارعين القادمين من أرياف اليمن الباحثين عن آلات الزراعة التقليدية من المسمار إلى المحراث اليدوي.

اليمن الزراعية -|الحسين اليزيدي

تقول كتب التاريخ، وشهادات تجار السوق إن صناعة الآلات التقليدية الزراعية في سوقي [المحدادة، والحلقة] تجارة قديمة منذ مئات السنين، يمتهنها الحدادون من الآباء، والأجداد، وتؤكد الروايات، براعة اليمني، منذ قِدم التاريخ في صناعة الآلات التقليدية الزراعية، كالمفارس، والمعاول، والمحاريث.

سوق الحلقة
سوق الحلقة بصنعاء القديمة في محاولة لاكتشاف تاريخ صناعة الآلة التقليدية الزراعية وكيفية صناعتها وحركة السوق والصعوبات التي تواجه تاجر الآلة.
كانت الزيارة الأولى لي إلى هذا السوق العتيق؛ ولأنني لا أعرف أزقة صنعاء القديمة، فعلى أعين واشارات الناس سلكت طريقي إلى سوق الحلقة المرصع بالحديد.
وقفت على مدخل السوق، وتساءلت: من أين أبدأ وكيف؟ وأمامي أطنان من الحديد في أشكال مختلفة من أدوات بناء وزراعة ونجارة في محلات غير متساوية البناء مليئة بفوضى الآلات وبداخل كل محل كبير سن وأبناء وأحياناً اثنين أو ثلاثة من الأحفاد في صورة تعكس الانتماء للمهنة والتمسك بها كحبل نجاة في واقع تسويقي ضعيف بحسب الستيني عبد الرحمن الدبب، وهو أحد تجار سوق “الحلقة”.
يقول الدبب إن سوق “الحلقة” كان مصدراً للآلات الزراعية لكل أنحاء اليمن، يرتاده المزارعون من جبال ريمة وصعدة إلى سهول حضرموت والمهرة.
ويضيف: “أنا أعمل في هذا المجال منذ عهد والدي، وكان والدي يعمل فيه منذ الخمسينيات.. كنا نصنع، ونبيع أدوات الزراعة والنجارة بأيدينا، مثل المحراث، والمجرفة، والمفرس، والحلي، وكل شيء كان يتم صنعه محلياً وبإتقان.”

سوق المحدادة
تؤدي إحدى فتحات سوق “الحلقة” إلى سوق “المحدادة”، وهذا السوق يتكون من مجموعة كبيرة من الحدادين يصنعون مختلف الآلات التي يتم عرضها في سوق الحلقة.
يقول عبد الرحمن الدبب: “المزارع كان يأتي إلينا ليشتري كل ما يحتاجه، من أصغر الأدوات إلى أكبرها، وكنا نلبي طلباتهم، ونصلح أدواتهم في ورشتنا، وكان لدينا معدات يدوية ومحلية، مثل المطرقة البلدية والخارجية، وكنا نغطي احتياجات السوق بالكامل.”
وللتمعن في مكونات السوق يتضح جلياً غزو الآلات الخارجية التي يشكوا منها التجار، فمع دخول الأدوات المستوردة، بدأ السوق المحلي يعاني.
يوضح التاجر الدبب: “الأدوات المستوردة أثرت بشكل كبير على عملنا، فالأدوات الحديثة، مثل الآلات الزراعية الكبيرة، جعلت المزارعين يستغنون عن الكثير من الأدوات اليدوية.
ويؤكد الدبب أن ورش الحدادة في صنعاء، التي كانت تعد حوالي 200 ورشة، تقلصت بشكل كبير، ويضيف: “الآن أصبحنا نستقبل عمل المزارعين والحرفيين بشكل محدود، ونسجل طلباتهم ونوفر لهم ما نستطيع، لكن التحديات كبيرة”.
مالك حدادة آخر علي محمد يقول: “كان سوق الحدادة، والحلقة يعج بالمرتادين منذ الصباح حتى غروب الشمس، كنا لا نجد وقتاً للاستراحة أما الآن كما ترى اغلقت الكثير من المحلات أبوابها وبعضها امتلأت بالآلات القادمة من خارج البلاد.
هذه المحلات، والسوق، والممرات أصبحت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه التجار.
يوضح علي محمد: “منذ خروجي للعمل لا أعرف أي مهنة أخرى غير الحدادة لصناعة الآلات الزراعية، فكان المزارعون من بني مطر، وهمدان، وبني حشيش يأتون بمحاريثهم إما لإصلاحها، أو استبدالها، وكنا نبيع الآلات الزراعية من القطعة للكمية للمزارعين من مختلف المحافظات اليمنية.
قبل نصف قرن وأكثر -من الزمن- عاشت بلادنا فترة اكتفاء زراعي من الحبوب، ومختلف المحاصيل، وكان هذا السوق “سوق الحلقة” المورد الرئيس، والوحيد للآلات الزراعية، وأصبح اليوم كغابة مهجورة، وأصبح هذا السوق شاهداً حياً على تطور تجارة الأدوات التقليدية إلا أن سمته التاريخية تبقى ظاهرة تغطي ملامح المكان وشاهداً حقيقياً على جذور تاريخية ضاربة في عمق التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى