
المعهد التقني الزراعي بسردود
في قلب سلة اليمن الغذائية، محافظة الحديدة، حيث تُعانق خصوبة الأرض طموح الإنسان، يقف المعهد التقني الزراعي – سردود، كأحد أعمدة التعليم المهني الزراعي في البلاد، يحمل على عاتقه رسالة التنمية عبر تأهيل الكادر البشري القادر على استثمار الأرض والموارد، وتحويل التحديات إلى فرص إنتاج وإبداع.
اليمن الزراعية |خــاص
موقع استراتيجي في قلب البيئة الزراعية
يقع المعهد في منطقة الكدن بمديرية الضحي، محاطًا بمزارع المانجو والموز والمحاصيل المتنوعة، وجوار مشاريع إنتاجية وبحثية كبرى مثل مزرعة سردود، والهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، والشركة الوطنية للألبان، ما يجعل من موقعه امتدادا طبيعيًا لرسالته التعليمية والتدريبية. فهنا لا تقتصر القاعات على المحاضرات، بل تمتد المعارف إلى الحقول، وتصبح المزرعة مختبراً عملياً مفتوحاً.
تاريخ عريق ومسيرة تطور
تأسس المعهد عام 1982 بتخصص زراعي مهني واحد. وظل المعهد سنوات يستقبل الطلبة في تخصص وحيد، وبعد عشرين عاماً من العطاء، تم اعتماد ثلاثة تخصصات مهنية في العام 2002/2003، ثم واصل التوسع بإضافة برامج تقنية نوعية تلبي متطلبات الواقع الزراعي في اليمن.
رؤية طموحة ورسالة ملهمة
يؤمن المعهد برسالة التعليم والتدريب المهني المرتكز على بناء القدرات وتغيير السلوك المهني بما ينسجم مع متطلبات سوق العمل، ويضع نصب عينيه هدفًا واضحًا يتمثل في رفع جودة وكفاءة التعليم التقني الزراعي، والتحسين المستمر للمخرجات، وتوفير بيئة تدريبية محفزة وآمنة تحقق العدالة والشفافية وتدعم العمل الجماعي.
وقال المهندس رضوان قائد عبيد، عميد المعهد: “نحن نعمل على ترجمة الرؤية إلى واقع ملموس، ونضع نصب أعيننا بناء كفاءات قادرة على إحداث تحوّل حقيقي في القطاع الزراعي، بما يخدم أهداف الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.”
أقسام متنوعة وتخصصات نوعية
يضم المعهد قسمين وعددًا من التخصصات:
أولاً: المستوى المهني (ثلاث سنوات بعد الأساسي):
الإنتاج النباتي
الإنتاج الحيواني
الصناعات الغذائية
ثانيًا: المستوى التقني (سنتان بعد الثانوية):
المحاصيل الحقلية (منذ العام 2014/2013م)
الصناعات الغذائية (أول تخصص تقني في اليمن – افتتح 2022/2023م)
صحة الحيوان (الوحيد على مستوى المحافظة – افتتح في 2022/2023م)
برامج تدريبية متنوعة
لا يقتصر المعهد على التعليم النظامي، بل يقدم العديد من البرامج التدريبية القصيرة الموجهة للمزارعين والشباب الباحثين عن تطوير مهاراتهم، وتشمل:
في المجال الحيواني:
تربية الماشية والدواجن (لاحم وبياض)
تسمين العجول والأغنام
تصنيع مكعبات الأعلاف
الرعاية البيطرية
في الصناعات الغذائية:
صناعات ألبان، الجبن، المثلجات
معجنات ومخبوزات
صناعة المشروبات
صناعة معجون الصلصة
في المجال النباتي:
إكثار الأشجار والشتلات بالتطعيم
إكثار نباتات الزينة وتنسيق الحدائق
مكافحة الأمراض النباتية
تركيب وإدارة البيوت المحمية
تربية النحل وإنتاج العسل ومنتجاته
تخطيط وتركيب شبكات الري
زراعة الخضر بالأنفاق
صناعات الكمبوست والسيلاج
تخطيط وإدارة المزارع
تحسين إنتاج محاصيل الحبوب والنقدية
تشغيل وصيانة المعدات الزراعية
دراسات إعداد دراسات الجدوى
كما يقوم المعهد بإعداد دراسات الجدوى للمشاريع الزراعية والحيوانية والإنتاجية والخدمية، بما يعزز من فرص نجاح المشروعات الريفية الصغيرة والمتوسطة.
خدمات مجتمعية مجانية
من موقعه المجتمعي، يقدم المعهد خدمات بيطرية واستشارية مجانية لأهالي المنطقة، ويشارك في الفعاليات التوعوية الصحية، كما ينظم دورات قصيرة مفتوحة لجميع الفئات، ويقدم خدمة تهجين الأبقار المحلية بسلالة “الفريزيان” لتحسين الإنتاجية.
وأكد المهندس رضوان قائد عبيد أن “المعهد لا يرى نفسه مجرد مؤسسة تعليمية، بل شريك تنموي فاعل يخدم المجتمع المحلي ويساهم في بناء اقتصاد وطني قائم على المعرفة والإنتاج.”
بنية تحتية متكاملة تسند جودة التدريب
يضم المعهد مرافق تعليمية وتطبيقية حديثة، منها:
قاعات واسعة
معامل حاسوب وصناعية وزراعية
مكتبة
جامع
حضائر
مطعم
سكن داخلي للطلبة وعوائل المدرسين
مزرعة تعليمية بمساحة 62 معاد
ثلاث آبار ارتوازية
عيادة بيطرية
كادر مؤهل
يقود المعهد كوكبة متميزة من الكادر، يحملون على عاتقهم تدريب وتأهيل شباب قادر على قيادة التنمية الزراعية والحيوانية والبيئية في اليمن، ويبلغ عدد الكادر التدريسي 58 موظفاً.
تحديات الحرب
بسبب الحرب والعدوان على بلادنا منذ العام 2015م، كادت أن تتوقف مسيرة المعهد، وتعرضت بعض ممتلكاته للنهب. ومع انطلاقة الثورة الزراعية والتنموية، وبمتابعة مباشرة من السيد إبراهيم المداني، رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا، وضمن إطار الثورة الزراعية، أعيد تأهيل السكن، واستعيدت الثروة الحيوانية والمعدات، وتم افتتاح تخصصات تقنية حديثة.
وقد أسهم صندوق تنمية المهارات في تمويل تأهيل المعهد، حيث تم تأهيل السكن الداخلي (200 دولاب وكرسي وفرش وبطانية ومخدة وملاية)، وتحسين شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ما انعكس على ارتفاع عدد الملتحقين من 10 طلاب إلى أكثر من 180 في أول عام بعد إعادة الإحياء.
مسيرة عطاء
طوال أكثر من 40 عامًا، رفد المعهد سوق العمل بـ 2671 خريجًا وخريجة، أصبح كثير منهم روادًا في الزراعة والصناعات الغذائية، ومساهمين فاعلين في الاقتصاد المحلي والوطني.
التحديات الراهنة
رغم هذا الزخم، يواجه المعهد تحديات مستمرة أبرزها:
غياب الميزانية التشغيلية
عدم القدرة على صيانة الحراثات الزراعية أو توفير حراثة للمعهد
نقص مواد التدريب
تسرب الكوادر
عدم توفير منظومة الطاقة الشمسية
طموحات لا تعرف الانطفاء
وأشار عميد المعهد المهندس رضوان قائد عبيد إلى أن “قيادة المعهد لم تركن للظروف، بل وضعت خطة مستقبلية طموحة تشمل تطوير العملية التدريبية وربطها بسوق العمل، وتعزيز الإنتاج الغذائي عبر التدريب التطبيقي، وفتح تخصصات جديدة نوعية، وتحسين إدارة الموارد لضمان جودة المخرجات.”
لم يعد المعهد التقني الزراعي – سردود مجرد مؤسسة تعليمية، بل صار منصة للإنتاج والتنمية، ورافعة لتحويل الريف من هامش إلى مركز. ففي كل طالب يتخرج من هذا المعهد، تُزرع شتلة أمل لمستقبل أكثر خضرة، وأكثر أمناً غذائياً، وأكثر ارتباطاً بجذورنا الزراعية الأصيلة.
