
شجرة البلس(التين)
اليمن الزراعية: محمد أحمد
وسط قرية “مدام” عزلة وادعة في مديرية همدان بمحافظة صنعاء، تنتشر اشجار التين المعروفه محليا باسم البلس شامخة شموخ جبال اليمن، رغم التغيرات المناخية، والتحديات التي تواجه الزراعة في اليمن، تقاوم هذه الشجرة،من اجل البقاء
المزارع معين علي الحاج يواصل مسيرة أجداده في زراعة شجرة “البلس” (التين)، متحدياً الظروف المناخية وتقلبات السوق، ومستنداً إلى حكمة الأجداد وتجارب السنين.
إرث متجذر عبر الأجيال
يقول المزارع معين: “البلس موجود منذ عهد الآباء والأجداد، منذ حوالي ٤٥٠ سنه والدليل على ذلك المستندات التي ورثناها من اسلافنا مستندات التقسيم الفصول والبصائر الخاصة بالأرض التي تحكي تقسم اشجار البلس بين الورثة ويضيف ونحن مستمرون في زراعته حتى اليوم بل وفي توسع مستمر، خصوصا في الأراضي التي تعتمد على مياه الأمطار”.
ويضيف: “كنت أمتلك في السابق أكثر من 400 شجرة، لكن أحداث عام 2011م وما تلاها من أزمات أدت إلى فقدان الغالبية، بسبب اعتمادنا على آبار جفّت. واليوم، لا يتبقى لديّ سوى نحو 80 شجرة، نعتمد في ريّها على مياه الأمطار كما كان يفعل أجدادنا”.
زراعة منظمة ورعاية خاصة
ويؤكد الحاج أن زراعة البلس تتم بطريقة منظمة في بعض المزارع، بينما تنمو بعض الأشجار عشوائيًا على أطراف الحقول. ويقول: “نوليها رعاية خاصة تختلف عن بقية الأشجار المثمرة، لأنها شجرة حساسة وتحتاج لعناية دقيقة”.
أنواع البلس وتقنيات الرعاية
يُزرع في المنطقة ثلاثة أنواع رئيسية من البلس، وهي:
البلس العربي البلدي، وهو النوع السائد والمتوارث.
البلس السوري، لكنه ضعيف ولا يحتمل البرد.
البلس الشوكي.
وعن العمليات الزراعية، ينقل لنا الحاج حكمة تراثية تقول:
“الذي ما يعلِن، ما يذوق التوكاب”، أي أن من لا يقلب التربة تحت شجرة البلس في موسم “علان” – وهو نجم زراعي يوافق نهاية موسم المطر – لن يحصد الثمار في العام التالي.
ويضيف: “حتى لو كانت الوسيلة غصن شوك، المهم تحريك الطين، كما تقول الحكمة الأخرى: (علان ولو بزربة)”.
تلقيح فريد وموسم مثمر
يشرح الحاج عملية التلقيح قائلاً: “نقوم بجمع حبات البلس الذكر بعد نضجها، ونضعها في قماش لمدة يوم أو يومين حتى تخرج منها حشرة صغيرة تُعرف بـ(النسة )، تقوم بعملية التلقيح عند وصولها إلى زهور البلس، ثم تموت بعد أداء مهمتها”.
بعد التلقيح، يبدأ موسم جني الثمار خلال شهرين، ويستمر من شهر إلى شهر ونصف، حيث يتم الجني في أواني صغيرة بعد صلاة الفجر، ثم تُعبأ في أوعية بلاستيكية خاصة (تُعرف بالنصايف)، ويُباع الكيلو بسعر يتراوح 750 إلى 1000ريال
أمراض وآفات تهدد الشجرة
يقول الحاج بدأت تظهر الآفات بوضوح على شجرة البلس منذ عام 2002م، ويُرجع بعض أسباب تفشيها إلى استخدام مبيدات ممنوعة دوليًا، أدت إلى القضاء على مادة طبيعية تُعرف بـ”اللك”، كانت تتشكل على سيقان البلس وتُستخدم كمادة مطهّرة ومضادة طبيعية للآفات.
المكافحة: بين المطر والتقاليد
يؤكد الحاج أن الأمطار تظل العامل الأول في مكافحة الآفات. ويضيف: “من يتّبع الطرق الزراعية القديمة كتقليم الأغصان المصابة وتقليب التربة ووضع الذبيل البلدي والرماد، لا يحتاج للمبيدات الكيميائية، بينما من يعتمد على الري الصناعي والإنتاج السريع يحتاج لاستخدام المبيدات”.
ومع ندرة الأمطار في السنوات الأخيرة، لجأ المزارعون لاستخدام “المواطير” لري الأشجار ورشّها بالماء كل 3 إلى 4 أيام.
تسويق محدود وأسعار مستقرة
يتم تسويق ثمار البلس محليا، حيث يأتي تجار الجملة إلى المزارع مباشرة، أو يذهب بعض المزارعين إلى السوق المركزي في ذهبان. ويوضح الحاج أن الأسعار “مناسبة نسبيا”، نظرا لاستمرار موسم الجني لأكثر من شهر.
معوقات ومقترحات
يواجه المزارعون عدداً من الصعوبات، أهمها:
تفشي الآفات والحشرات.
ضعف القدرة على مكافحة هذه الآفات.
ويقترح الحاج دعما حكوميا في مجال المبيدات، وتوعية المزارعين بتقنيات الري الحديثة خاصة لأولئك الذين يعتمدون على آبار المياه الجوفية، للحفاظ على الموارد الطبيعية.
بين الحكمة والعلم
ويؤكد الحاج على أهمية الاستفادة من خبرات الأجداد في الزراعة، لكنه يضيف: “اليوم، لدينا مهندسون زراعيون من خريجي كلية الزراعة نعتمد عليهم في الاستشارات الزراعية الحديثة”.
من جانبه أكد المهندس الزراعي سعد خليل أهمية محصول وفاكهة التين – المعروفة محلياً باسم “البلس العربي” – باعتبارها من أشجار الفاكهة المعمرة التي تتحمل الجفاف وتعيش لعقود طويلة، وتعد من الثروات الزراعية غير المستغلة بالشكل الأمثل في اليمن. ويشير إلى أنها فاكهة ورد ذكرها في القرآن الكريم، وهو ما يدل على عظمتها الغذائية والاقتصادية والبيئية.
انتشار واسع:
قال المهندس سعد إن زراعة أشجار التين منتشرة في العديد من المناطق اليمنية، أبرزها مديرية همدان – قرية مدام بمحافظة صنعاء، وكذلك مناطق متفرقة في محافظة البيضاء ومحافظة الحديدة على ضفاف الأودية والقيعان.
يُعتمد على محصول البلس في بعض المناطق كمصدر دخل رئيسي للأسر، رغم غياب الدعم الفني والإرشادي للمزارعين”، بحسب تعبيره.
بيئة مناسبة.. لكن تهديدات قائمة
أوضح المهندس خليل أن شجرة التين تستطيع تحمل درجات حرارة عالية تصل إلى 42 درجة مئوية، كما تتحمل الجفاف نتيجة امتداد جذورها العميق. إلا أن انخفاض درجات الحرارة لما دون الصفر يسبب أضراراً جسيمة لها. وأشار إلى أن درجة الحرارة المثالية لتساقط أوراق التين استعداداً للموسم الجديد هي أقل من 15 درجة مئوية.
أما بالنسبة للتربة، فأشار إلى أنها شجرة مرنة تنمو في مختلف أنواع التربة، وتفضل التربة الصفراء جيدة التهوية والصرف، خاصة في الأراضي الهامشية ومجاري السيول.
أصناف متعددة.. وثروة لم تُكتشف بعد
ويشير المهندس سعد خليل إلى أن أشهر أصناف التين المزروعة في اليمن:
التين الأسود البلدي (المحلي)
التين الأسود الطائفي (ينمو بريا)
التين الأمريكي (خضيري الشكل)
واعتبر أن هذه الأصناف تمثل تنوعا وراثيا قيّما بحاجة إلى دراسة وتصنيف، مع إمكانية إدخال أصناف جديدة محسّنة.
الآفات تهدد الموسم
وحذر المهندس خليل من انتشار عدد من الأمراض والآفات التي تؤثر على إنتاجية أشجار التين، أبرزها:
- الحشرات القشرية: تمتص العصارة من الأغصان والثمار، وتزداد خطورتها مع الجفاف وقلة الري.
- حفار ساق التين: تتسبب اليرقات بعمل أنفاق داخل جذع الشجرة، وقد تؤدي إلى وفاتها خلال أشهر..
وأوضح: “المكافحة تبدأ من التنظيم الجيد للعمليات الزراعية، وعدم الإفراط في التسميد الكيميائي، مع اعتماد الأسمدة البلدية والمراقبة الدورية واستخدام المصائد الضوئية والرش الوقائي عند الضرورة، وتحت إشراف مختصين.”
مشاكل المزارعين.. ضعف التوعية والإرشاد
أبرز المهندس سعد عدداً من المعوقات التي تواجه مزارعي البلس العربي، ومنها:
ضعف الوعي بالعمليات الزراعية السليمة من ري وتسميد وتقليم.
عشوائية العمل الزراعي في الري والتلقيح.
قلة المعرفة بالإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات.
غياب حملات رش وقائية بسبب ضعف إمكانيات المزارعين.
ضعف دور الإرشاد الزراعي في نشر النشرات والبرشورات التوعوية.
توصيات عاجلة للنهوض بالمحصول
قدّم المهندس سعد خليل مجموعة من التوصيات الهامة لتحسين إنتاجية وجودة محصول التين، أهمها: - تنفيذ برامج توعية وإرشاد زراعي عبر وسائل الإعلام المختلفة.
- توفير المبيدات والمكافحة الطارئة كقروض موسمية للمزارعين.
- تأسيس مدرسة حقلية للمزارعين لتبادل الخبرات برعاية جمعية القطاع الشمالي بمحافظة صنعاء.
- الاهتمام بعمليات الري والتسميد المنتظم، مع إدخال شبكات الري الحديثة.
- رفع وعي المزارعين بالتوسع في زراعة التين في المناطق المناسبة بيئيًا.
ويقول المهندس خليل: إذا أردنا تنمية الريف اليمني ورفع مستوى دخل المزارع، فعلينا أن نبدأ من حيث توجد الفرص الزراعية الحقيقية، والتين أو البلس العربي أحد أبرز هذه الفرص، ينتظر منّا فقط أن نستثمره بذكاء.
