تقاريرصحافة

التنوع المناخي في اليمن

فرصة استراتيجية للتنمية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي

            يتميز اليمن بتنوع نطاقاتها المناخية، مما يؤثر على توزيع الموارد الطبيعية وسبل عيش السكان في مختلف النطاقات المناخية، سواء الساحلية الحارة والرطبة، أو المرتفعات الجبلية المعتدلة، أو المناطق الصحراوية الجافة.

ويرى عدد من الخبراء والمختصين أن هذا يساهم في تنوع الإنتاج الزراعي، مع الأخذ في الاعتبار التباين في قيم درجات الحرارة الناتج عن اختلاف ارتفاعات مختلف المناطق عن مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه اليمن وأهمية وضع الخطط وبناء القدرات واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التغيرات المناخية والتكيف معها لتحقيق التنمية المستدامة والوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

اليمن الزراعية-محمد أحمد

ويقول رئيس قسم بحوث المناخ الزراعي والتغيرات المناخية بمركز بحوث الموارد الطبيعية المتجددة، الدكتور محمد الخرساني، إن الجمهورية اليمنية تصنف مناخياً إلى 14 نطاقاً مناخياً زراعياً رئيسياً، بناءً على التباين في المعدلات السنوية لكمية الهطول المطري التي تهطل على مختلف المناطق اليمنية.
ويوضح الخرساني في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” أن التنوع في المحاصيل الزراعية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعوامل المناخية، حيث لكل محصول من المحاصيل الزراعية متطلباته المناخية الضرورية لزراعته ونموه وإنتاجيته.
ويضيف: “وبناءً على ذلك، يلاحظ اختلاف المزروعات والنباتات من منطقة لأخرى. فمثلاً، تعتبر المرتفعات الجنوبية الغربية (تعز – إب – الضالع) أفضل المناطق لزراعة الذرة الرفيعة صيفاً”، مبيناً أن المناطق الصحراوية (الجوف – مأرب – حضرموت) أفضل المناطق لزراعة القمح شتاءً، وأن مناطق سهل تهامة تعتبر ملائمة لزراعة كل من الدخن والسمسم والمانجو والنخيل والموز والبطيخ والقطن.
ويبين أن مناطق القيعان في المرتفعات الداخلية ملائمة لزراعة العديد من محاصيل الخضار، موضحاً أن لكل محصول ولكل نبات ما يناسبه من درجات الحرارة والرطوبة النسبية وكمية المياه المطلوبة لزراعته ونموه وإنتاجيته.
ويؤكد أنه يمكن استغلال هذا التنوع المناخي الذي تتميز به الجمهورية اليمنية لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية، خاصة محاصيل الحبوب، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي، عبر تحديد المحاصيل المناسبة زراعتها في كل نطاق مناخي لضمان الحصول على إنتاجية عالية من تلك المحاصيل.
ويشير إلى أن هناك بعض التغيرات المناخية الملحوظة خلال العقود الأخيرة، والمتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة والتذبذب في المعدلات السنوية لكمية الهطول المطري بحسب بعض الدراسات البحثية، مشدداً على وجوب التكيف مع تلك التغيرات المناخية من خلال أخذها في الاعتبار وتحديد النمط المحصولي المرافق لتلك المتغيرات.
ويوضح أن دور هيئة البحوث الزراعية في هذا المجال يتمثل في مراقبة التغيرات المناخية بواسطة رصد بيانات الطقس وتنفيذ الدراسات البحثية المناخية ومدى تأثير تلك التغيرات على الإنتاج الزراعي ونشر التوصيات العلمية اللازمة في هذا المجال.
مقترحات وتحديات
من جانبه، يؤكد أستاذ الموارد البيئية والتنمية المستدامة المشارك بجامعة ذمار، الدكتور فهد الضلعي، أن هناك علاقة مباشرة ووثيقة بين النطاقات المناخية والتنوع البيئي في اليمن، إذ يعد التنوع المناخي في البلاد أحد أهم الأسباب المساهمة في تنوع البيئة الطبيعية والحيوية فيها.
ويوضح في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” أن التنوع المناخي في اليمن يسهم بشكل كبير في التنوع الحيوي والنباتي، وذلك من خلال توفير بيئات مختلفة تدعم أنواعاً متعددة من الكائنات الحيوانية والنباتية. مشيراً إلى أن كل نطاق مناخي في اليمن ينتج نظاماً بيئياً خاصاً به، وهذا ما جعلها من أغنى مناطق شبه الجزيرة العربية في التنوع الحيوي.
كما يوضح أن النطاقات المناخية تؤثر على نمط توزيع السكان وأنشطتهم الاقتصادية في اليمن، حيث يحدد المناخ نوعية الحياة الممكنة في كل منطقة، وبالتالي يشكل أماكن الاستقرار البشري والنشاط الاقتصادي السائد فيها. وقد أصبح أثر التغير المناخي على النطاقات البيئية الحساسة في اليمن، مثل المرتفعات الغربية أو السواحل الجنوبية، أكثر وضوحاً ومؤرقاً لأصحاب القرار والباحثين والمهتمين.
ويرى أن التغيرات المناخية باتت تهدد استقرار هذه النظم البيئية، وتؤثر على الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي والسكان المحليين، مما يعني أن التغير المناخي يهدد استدامة النطاقات البيئية الأكثر أهمية في اليمن، وخاصة تلك التي يتركز فيها السكان والنشاط الزراعي.
وفيما يخص التحديات البيئية المرتبطة باختلال التوازن المناخي في اليمن، يقول الضلعي إن هناك الكثير من التحديات البيئية الصعبة والمعقدة المرتبطة باختلال التوازن المناخي في اليمن، والتي تتزايد بشكل سنوي نتيجة التغيرات المناخية العالمية، بالإضافة إلى عوامل أخرى محلية مثل سوء الإدارة البيئية. كما أن اختلال التوازن المناخي في اليمن يعمق أزمات المياه والغذاء والصحة والسكن، وبهذا يهدد استقرار المجتمعات والاقتصاد الوطني.
ويؤكد أنه يمكن الاستفادة من التنوع المناخي في اليمن بشكل قوي ومباشر لتحقيق تنمية مستدامة زراعيًا وبيئيًا، إذا ما تم التخطيط لها بشكل علمي ومنهجي، موضحًا أن التنوع المناخي في اليمن يعد مكسبًا وميزة يمكن من خلالها تعزيز الإنتاج الزراعي المستدام، وحفظ الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي، وتحقيق تنمية متوازنة بين الإنسان والطبيعة.
ويرى أنه يمكن تحسين وعي المجتمع والمؤسسات المحلية بأهمية حماية الأنظمة البيئية المرتبطة بالمناخ من خلال حملات توعية بيئية تستهدف المدارس والمساجد والأرياف، ودمج قضايا المناخ في المناهج الدراسية الأولية والجامعية. كما يجب تدريب كوادر محلية في كل محافظة على إدارة النظم البيئية والمخاطر المناخية، وكذلك دعم المجتمع المدني وتوسيع شراكته في حماية البيئة.
ويشدد على أن اليمن بحاجة إلى رؤية أكاديمية وبحثية واضحة تساعد على التكيف مع هذه التحديات والتقليل من آثارها، أهمها إعطاء الأولوية للأمن الغذائي وإمكانية الوصول إلى الفقراء؛ إذ يعد الأمن الغذائي وسيظل أحد أكبر المخاطر الناجمة عن تغير المناخ، فاليمن يعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية.
ويقترح الدكتور الضلعي تنفيذ مجموعة من المقترحات الأكاديمية، أولها البحوث المناخية والبيئية، من خلال إنشاء مراكز بحثية متخصصة بالمناخ، ودراسات تأثير التغير المناخي على النظم البيئية والبيولوجية، إلى جانب إجراء بحوث حول إدارة الموارد الطبيعية. مضيفًا أن البحوث الزراعية والتكيف المناخي هي الخطوة الثانية، عبر العمل على أبحاث تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة، واستنباط أصناف زراعية محلية معدلة أو مختارة طبيعيًا، ودعم الزراعة الذكية مناخيًا (Climate-Smart Agriculture).
ويواصل الحديث عن دراسات السياسات والتخطيط البيئي من خلال بحوث السياسات المناخية، وصياغة استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغير المناخي، بالإضافة إلى إدماج التغير المناخي في التخطيط الحضري والريفي، لافتًا إلى أهمية التعليم والتوعية المجتمعية عبر إدخال المناخ في المناهج الدراسية، وتطوير مناهج بيئية ومناخية في المدارس والجامعات، وإقامة برامج تدريب وبناء قدرات للباحثين والمهندسين، وورش عمل في كل ما سبق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى