تقاريرصحافة

موسم خريفي واعد في تهامة

استعدادات مبكرة وأمطار غزيرة

مع مطلع فصل الخريف وبدء تساقط الأمطار الموسمية، تعود الحياة إلى الأراضي التهامية في محافظة الحديدة، حيث ينطلق موسم الزراعة المطرية “الخريف”، معلنًا بداية دورة زراعية يعتمد عليها آلاف المزارعين لتأمين غذائهم ومصدر دخلهم.

وتعد تهامة بأراضيها الخصبة ومناخها الملائم، من أهم السهول الزراعية في اليمن، وتشكل الزراعة المطرية فيها شريانًا اقتصاديًا حيويًا وموردًا رئيسيًا في معادلة الأمن الغذائي المحلي.
ومع دخول موسم الزراعة الخريفية وهطول الأمطار الغزيرة على معظم مديريات ووديان تهامة، بدأ حراك زراعي نشط يتركز على تجهيز الأراضي، وتهيئة البذور، وتوفير مستلزمات الحراثة، في مشهد يعكس عمق الارتباط بين الإنسان والأرض.

اليمن الزراعية – أيوب أحمد هادي

ويقول المزارع عمر يماني من مديرية المراوعة: “الاستعدادات تبدأ منذ دخول شهر يوليو، وتشمل تنظيف الأرض من الأعشاب الضارة وتهيئة التربة عبر الحراثة اليدوية أو الآلية، ومع أولى قطرات المطر نبدأ بزراعة الدخن، وبعدها بعدة أسابيع ومع دخول شهر سبتمبر نزرع الدُّجرة والقطن زراعة بينية وسط الدخن”، مؤكداً أن موسم الأمطار يُعد فرصة لتأمين القوت الضروري الذي يعلق عليه آمالًا كبيرة لتعويض ما فات من مواسم شحيحة.
ويضيف بابتسامة: “حين تهطل الأمطار نشعر أن الأرض عادت للحياة من جديد، وتعود معها أرواحنا مفعمة بالأمل، فنحن لا نعيش إلا بما تمنحه لنا هذه الأرض.”
من جهته، يشير المزارع فهد مشعشع، من أبناء زبيد، إلى استمرار الاعتماد على أدوات الزراعة التقليدية في بعض المناطق، قائلاً: “الزراعة اليدوية لا تزال حاضرة في الأراضي الرملية والهشة، فهي تحافظ على التربة وتمنحنا تحكمًا أفضل في عملية البذر، رغم دخول الحراثات إلى مناطق واسعة من تهامة.”
ويضيف: “قد تكون الطرق التقليدية أكثر مشقة، لكنها تمنحنا طمأنينة بأن محصولنا سيكون طبيعيًا كما ورثناه عن أجدادنا، وهذا يجعلنا أكثر ارتباطًا بأرضنا.”
بدوره، يقول محمد عياني، مالك حراثة آلية في زبيد: “الطلب على الحراثات ارتفع بشكل ملحوظ منذ منتصف يوليو، ونحن نعمل على مدار الساعة لتلبية احتياجات المزارعين. الجميع يأمل في موسم وفير، خاصة بعد سنتين من التراجع في الإنتاج.”
وفي مديرية الزهرة، يقول المزارع محمد قحري: “كنا نترقب الموسم المطري منذ عدة شهور، خصوصًا أن أرضنا عطشى، وقد بدأنا بحرث الأراضي مع أول زخات المطر لزراعة الذرة والدخن بشكل رئيسي. نأمل أن تكون هذه السنة بداية تعويض للمواسم التي لم تنتج كما يجب، مضيفاً: “الناس هنا يعيشون على ما تزرعه أيديهم، وأي موسم ناجح يعني استقرارًا لعشرات الأسر. عندما ينجح الموسم، تعم الأفراح وتقام الولائم في القرى، فالمحصول الجيد يعني حياة أفضل للجميع.”
برامج إرشادية وتحديات قائمة
من جانبه، يؤكد رئيس جمعية بيت الفقيه الزراعية عبدالسلام حيدر أن الإقبال هذا العام فاق التوقعات، مشيراً إلى أن هناك اهتمام متزايد من المزارعين سواء من حيث الاستعداد المبكر أو البحث عن أصناف بذور ذات إنتاجية عالية، لافتاً إلى أن الجمعية بدأت بتوفير بذور محسنة وإرشادات فنية ومواد توعوية لضمان نجاح الموسم.”
ويضيف: “الأجمل أن نرى المزارعين يعملون بروح جماعية، فهذا التكاتف يبعث التفاؤل بعودة تهامة إلى ريادتها الزراعية.”
وعن أهمية الإرشاد الزراعي ودوره في نجاح الموسم، يشير المهندس محمد حسن قرار، أحد المرشدين الزراعيين في المنطقة الوسطى، إلى أن الإرشاد يلعب دورًا محوريًا في تحقيق أفضل إنتاجية.
ويقول: “أبرز التحديات تكمن في نقص البذور المحسنة، واعتماد بعض المزارعين على مخزونهم من مواسم سابقة دون عمليات انتخاب أو معالجة، لذلك نقوم بحملات توعية حول أهمية اختيار البذور الجيدة، وتوقيت الحراثة، وتقنيات الزراعة المناسبة لكل نوع من المحاصيل.”
ويضيف: “الأراضي الرملية (الخبت) مناسبة للدخن والذرة البيضاء، بينما تزرع الذرة الحمراء والقطن في الأراضي الطينية القريبة من مجاري المياه، وننصح المزارعين دومًا بالتنويع لضمان عائد أفضل.”
الزراعة المطرية… ركيزة اقتصادية ورافعة اجتماعية
من جانبه يؤكد المدير التنفيذي لجمعية الاكتفاء الزراعية في المراوعة يحيى الجماعي أن الزراعة المطرية تمثل حجر الزاوية في حياة سكان تهامة، قائلاً: “هي ليست مجرد نشاط موسمي، بل منظومة اقتصادية متكاملة. فنجاح الموسم يعني استقرارًا في الأسواق، وتوفير فرص عمل موسمية، وتراجعًا في معدلات الفقر.”
ويضيف: “الزراعة المطرية تمتاز باستدامتها البيئية لاعتمادها على مياه الأمطار دون استنزاف الموارد الجوفية، كما أن لها أثرًا مباشرًا في تقوية الروابط الاجتماعية من خلال العمل الجماعي في الحقول.”
وفي مديرية الزيدية، وبينما كان يتفقد أرضه، يقول المزارع محمد منتصر: “ننظر إلى موسم الزراعة المطرية كفرصة لا تُعوَّض. الأرض تعطينا بقدر ما نعتني بها، وكل عام نبدأ من جديد وعلى أكتافنا أمل كبير.”
ويضيف بصوت يغلبه الإصرار: “نزرع لنأكل، ولنعيش بكرامة.. هذه الأرض هي حياتنا، ومن يتركها يترك مصدر عزته وقوته.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى