
توسع كبير على حساب محاصيل البن والحبوب
تعد زراعة القات من الظواهر السلبية، التي توسعت بشكل كبير خلال العقود الأربعة الأخيرة والتي تهدد زراعة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وتؤثر على الأمن الغذائي.
وفي محافظة الحديدة سلة غذاء اليمن لم تكن بمنأى عن هذا السرطان الذي ينتشر ويقضي على الأراضي الزراعية، حيث تنتشر زراعة القات في مديرية برع والتي تشتهر بزراعة البن، والتي باتت تنافسها شجرة القات، وتهدد بقاءها، وذلك بسبب المردود المالي الذي يجنيه مزارعو القات.
اليمن الزراعية – أيوب هادي
وفي هذا السياق يقول المزارع أبو بكر أحمد صالح أحد مزارعي القات في مديرية برع: «منذ أن بدأت أزرع القات وأنا أنظر إليها أنها أفضل من غيرها من المزروعات، من حيث دخلها اليومي”.
ويشير إلى أنه قام بزراعة البقوليات والحبوب ولكنه لم يحصل فائدة كونها محاصيل موسمية، ودخلها قليل جداً مقارنة بعوائد القات.
وفيما يتعلق بتأثير التوسع في زراعة القات على الأراضي الزراعية يوضح أبو بكر أن التوسع في زراعة شجرة القات له تأثير على الأراضي الزراعية، ويرجع السبب إلى عدم توفر الأسواق المناسبة، وتنظيم التسويق الزراعي الذي يضمن للمزارع الحصول على فائدة من زراعة الحبوب والبقوليات وغيرها تجعله يقلع عن زراعة القات.
ويقول إن دعوة السيد القائد للتوسع في زراعة محاصيل الحبوب والبقوليات هي دعوة سديدة نرى فيها الخير الكثير فنحن بحاجة إلى زراعة محاصيل بديلة تدر علينا دخل يمكّننا من سد احتياجاتنا.
انتشار كبير
من جانبه يشير مسؤول الارشاد الزراعي بمديرية برع المهندس عبد الفتاح علي صالح إلى أن نسبة زراعة القات في المديرية تبلغ حوالي 30% من إجمالي أراضي المديرية الصالحة لزراعة محصول البن ومحاصيل الحبوب والمحاصيل الأخرى.
ويقول إن زراعة القات تنتشر في مديرية برع منذ القدم وتشتهر بعض العزل في المديرية بزراعة القات، حيث يعتمد حوالي 20%من سكان المديرية على زراعة القات في مواسم الأمطار، وخاصة المناطق المرتفعة والتي تمتاز ببرودة الجو ومناسب لزراعة أشجار القات، والذي يعتبر مصدر دخل لهم موسمي.
ويضيف أنه في الآونة الأخيرة انتشرت زراعة القات في برع، واتجه ما يقارب من 30% من مزارعي المديرية نحو زراعة القات بسبب المردود السريع الذي يحصل عليه المزارعون، والذي يزيد من دخلهم مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى.
ويؤكد أن زراعة القات في المديرية أثرت على زراعة المحاصيل الأخرى نظراً لتدني أسعار المحاصيل الأخرى واعتمادها على الأمطار الموسمية، بالإضافة إلى الطلب المتزايد من قبل المواطنين على محصول القات، وارتفاع أسعاره طوال العام، مبيناً أن ذلك هو الذي دفع المزارعين إلى التوجه نحو زراعة أشجار القات والتوسع في زراعتها وترك المحاصيل الأخرى.
ويضيف أنه وتلبية لدعوة السيد القائد التي دعا فيها إلى زراعة المحاصيل النقدية ومحاصيل الحبوب، أقمنا نحن في مكتب الارشاد الزراعي بالمديرية برامج ارشاديه وتوعية للمزارعين بأهمية زراعة أشجار البن، كون المديرية تشتهر بزراعتها، وله مردود اقتصادي أفضل من القات، والتوجه نحو الحد من زراعة القات، وذلك لأضراره الصحية والمالية، بالإضافة إلى توعية المزارعين بالتوجه نحو الزراعة البينية في مناطق زراعة البن مثل زراعة محاصيل البقوليات ومحاصيل الحبوب مشيرا إلى أن هناك برامج سيتم تفعيلها وتتضمن التوعية والتثقيف بأهمية التوسع في زراعة الحبوب والبقوليات، والحد من زراعة القات، وخاصه للعزل التي يتم زراعة القات فيها بتعاون مع هيئة تطوير تهامة.
ويواصل: “تم تنفيذ العديد من البرامج التوعوية للمزارعين للتوجه نحو اقتلاع أشجار القات نظراً لأضرارها على استنزاف المياه، وكثرة المبيدات التي ترش على أشجار القات وتسبب الكثير من الأمراض المنتشرة بين السكان.
استنزاف المياه
وفي السياق نفسه يقول المهندس فهيم حاميم مختص زراعة المحاصيل بالهيئة العامة لتطوير تهامة إن التوسع في زراعة شجرة القات له أضرار جسيمة ويمكن أن يكون لتوسع زراعة القات عواقب وخيمة منها استنزاف المياه الجوفية، وتجفيف المناطق المحيطة، مما يؤدي إلى زيادة خطر التصحر وتدهور جودة التربة، بالإضافة إلى تقليل إنتاجية الأراضي الزراعية الأخرى، والتأثير على المحاصيل الأخرى التي يعتمد عليها المزارعون.
ويشير إلى أن العديد من المجتمعات تعتمد على تنوع المحاصيل لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد المحلي، ومع ذلك قد يؤدي توسع زراعة القات إلى تركيز المزارعين على نبتة واحدة على حساب تنوع المحاصيل الأخرى، مما يعرض استقرار النظام الزراعي للمخاطر.
ويبين المهندس حاميم أن زراعة القات تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للنمو، وهذا يؤثر على المصادر المائية الأخرى، مثل مياه الشرب والري الزراعي للمحاصيل الأخرى، وهذا يتسبب في نقص الموارد المائية.
ويضيف: “يمكن أن يؤدي توسع زراعة القات إلى تحول اقتصاد المنطقة ليعتمد بشكل كبير على هذه النبتة وتداعياتها الاقتصادية، والتي تتسبب في تدهور القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتقليل التنوع الاقتصادي وتزايد نسبة الفقر بين السكان وعدم المساواة، بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي توسع زراعة القات إلى تفاقم مشاكل اجتماعية مثل الهجرة وعدم الاستقرار الاجتماعي.
ويدعو إلى إدراك الآثار السلبية المحتملة لتوسع زراعة القات، واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها وضرورة تشجيع التنوع الزراعي، وتعزيز زراعة المحاصيل الأخرى التي تناسب الظروف المناخية والبيئية في المنطقة، كما يجب تعزيز الوعي وتوفير الدعم للمزارعين للانتقال إلى محاصيل بديلة وتنويع مصادر الدخل الزراعي.
ويدعو إلى إجراء دراسات متعمقة وتقييم الآثار الفعلية لتوسع زراعة القات على الأراضي الزراعية، واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من التأثيرات لزراعة القات، وتعزيز الزراعة المستدامة والاقتصاد المتنوع.
آثار سلبية
بدوره يقول مدير عام الهيئة العامة لتطوير تهامة المهندس فواز العذري إن توسع زراعة القات يؤثر على الأمن الغذائي، مشيراً إلى أن هناك عدة آثار سلبية قد تنتج عن تحويل الأراضي الزراعية لزراعة القات والتركيز عليها، وتؤثر هذه الآثار بشكل مباشر على إنتاج الغذاء وتوافره في المجتمعات المحلية، ومن هذه الآثار انخفاض إنتاجية المحاصيل الغذائية: فزراعة القات تستهلك موارداً مائية وتربية كبيرة، وتنافس المحاصيل الغذائية على هذه الموارد، و قد يؤدي توسع زراعة القات إلى تقليل المساحة المخصصة لزراعة المحاصيل الغذائية وبالتالي تنخفض إنتاجيتها، وهو ما يؤثر على توافر الغذاء في المنطقة.
ويزيد بقوله: “كذلك تركيز الموارد والاهتمام بالقات يمكن أن يؤدي تركيز المزارعين والموارد الزراعية على زراعة القات إلى إهمال المحاصيل الغذائية الأخرى، وقد يعود ذلك إلى الطلب العالي على القات والأرباح الاقتصادية المرتبطة به، مما يؤدي إلى تقليل تنوع المحاصيل وتراجع إنتاج الأغذية.
وبضيف أن آثار توسع زراعة القات على الأمن الغذائي قد تختلف من منطقة إلى أخرى وتعتمد على العديد من العوامل المحلية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تتأثر المناطق التي تعتمد بشكل كبير على زراعة القات بشكل أكبر من مناطق أخرى ذات تنوع زراعي أو مصادر غذائية متنوعة.
ويقترح مدير عام هيئة تطوير تهامة حلولاً من شأنها أن تحد من التوسع في زراعة القات، في جوانبها القانونية، والاقتصادية، والاجتماعية منها:
- التوعية والتثقيف: يمكن العمل على زيادة الوعي بالآثار السلبية لزراعة القات على المستويات المحلية والوطنية. ويجب توفير معلومات شاملة حول الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية السلبية لتوسع زراعة القات، وتوجيه الفلاحين والمجتمعات المحلية نحو بدائل زراعية مستدامة ومربحة.
- توفير الدعم المالي والتقني: يمكن توفير الدعم المالي والتقني للمزارعين الذين يرغبون في التحول من زراعة القات إلى محاصيل غذائية أخرى. يمكن توفير المساعدة في شراء المعدات الزراعية، وتوفير البذور والمواد اللازمة، وتوفير التدريب والمعرفة الزراعية للمزارعين.
- السياسات الحكومية: يمكن للحكومة اتخاذ إجراءات قانونية وسياسية للحد من التوسع في زراعة القات، من خلال تنفيذ سياسات التنظيم والرقابة على زراعة القات، وتحديد حصص للأراضي المخصصة لزراعتها، وتشديد قوانين وضوابط استخدام المبيدات الزراعية.
- التنويع الاقتصادي: يمكن تشجيع التنوع الاقتصادي في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على زراعة القات من خلال تعزيز الصناعات الأخرى وتنمية القطاعات غير الزراعية مثل السياحة والصناعات الحرفية والتجارة.
- البحث والتطوير: يمكن تعزيز البحث والتطوير في مجال بدائل زراعة القات والمحاصيل الأخرى. يمكن استثمار المزيد من الجهود والموارد في تطوير أصناف جديدة من المحاصيل الغذائية التي تناسب ظروف المنطقة وتكون مربحة للمزارعين.
ويشير العذري إلى أن تنفيذ هذه الحلول يتطلب التعاون بين الحكومة والمزارعين، والمؤسسات البحثية والزراعية، والمجتمع المحلي، من خلال اتخاذ إجراءات شاملة ومتعددة المستويات، يمكن تقليل التوسع في زراعة القات وتعزيز التنوع الزراعي والأمن الغذائي في المناطق المعنية.