
يُعد التعليم الفني والتقني المرتبط بالثروة السمكية من أبرز الدعائم الأساسية التي تضمن استدامة هذا القطاع الحيوي، فهو الجسر الذي يربط بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي في بيئة العمل البحرية. ومع اتساع تحديات هذا القطاع وتنوع احتياجاته، تبرز أهمية تكوين كوادر مدرّبة ومتخصصة تستطيع التعامل بكفاءة مع مختلف الجوانب الفنية والإنتاجية، بدءًا من الصيد البحري وانتهاءً بالصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية.
إن وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية تدرك تمامًا أن النهوض بالقطاع السمكي لا يتحقق فقط عبر السياسات والإجراءات التنظيمية، بل من خلال التمكين المعرفي والفني المستمر للعاملين في هذا القطاع، من خلال التنسيق مع المعاهد الفنية والمراكز التدريبية، وتنفيذ برامج تأهيلية وتدريبية تستهدف الصيادين وعمّال الموانئ والعاملين في سلاسل الإنتاج السمكي. كما تشارك في تحديث المناهج بما يتماشى مع التحولات البيئية والتقنية، وتسعى لربط مخرجات التعليم بسوق العمل السمكي لضمان توظيف الكفاءات في مواقعها المناسبة.
¬التعليم الفني والتقني السمكي لا يقتصر على تأهيل الصيادين في مهارات الصيد التقليدي، بل يشمل تخصصات متعددة مثل استزراع الأسماك، المراقبة الصحية والجودة، تكنولوجيا المعالجة والحفظ، إدارة الموارد البحرية، وصيانة معدات الصيد. كل هذه التخصصات تُسهم في تقليص الفاقد، وتحسين نوعية الإنتاج، ورفع معدلات الاستفادة الاقتصادية من الموارد السمكية. كما يسهم هذا التعليم في الحد من العشوائية في أنشطة الصيد، ويُعزّز من التزام الصيادين بالقوانين المنظمة والمواسم المحددة.
إضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في التعليم الفني يفتح آفاقًا واسعة للشباب في المجتمعات الساحلية، عبر توفير فرص عمل حقيقية قائمة على مهارات حيوية مرتبطة بثرواتهم الطبيعية. كما يشجّع على الابتكار في التقنيات البحرية وتطوير الصناعات السمكية المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة القيمة المضافة للمنتج السمكي وتحقيق عوائد اقتصادية تسهم في دعم الاقتصاد الوطني.
ولأن القطاع السمكي يمثل أحد الأعمدة الاستراتيجية للأمن الغذائي في البلاد، فإن تأهيل موارده البشرية يكتسب بُعدًا سياديًا يندرج ضمن رؤية وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، إلى جانب دعم قدرات الصيادين ومجتمعاتهم في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
في ضوء ذلك، يتضح أن التعليم الفني والتقني المتخصص ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية واستثمار استراتيجي. فالارتقاء بالقطاع السمكي يتطلب علمًا ومهارة وإدارة رشيدة، وكلها لا تتحقق إلا عبر بوابة التعليم الموجّه نحو خدمة هذا القطاع. وبفضل الجهود المشتركة بين وزارتي الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، والتربية والتعليم والبحث العلمي، يمكن بناء جيل جديد من المهنيين البحريين الذين يحملون لواء التنمية، ويقودون التحوّل المنشود نحو قطاع سمكي أكثر إنتاجية واستدامة.