
أكد أن المنظمات وزعت خلايا نحل ضعيفة لمربي النحل ووزعت أدوات ومستلزمات النحل والنحالين غير مطابقة للمواصفات وأنها كانت تعمل تحت اشراف حكومي
المنظمات الأجنبية استهدفت قطاع النحل باليمن بشكل مباشر وغير مباشر كالرش بالمبيدات لمناطق تواجد النحل وتشجيع التحطيب والاخلال بالتنوع النباتي
أمراض عديدة تم نقلها للنحل اليمني عن طريق الأدوات والمستلزمات التي كانت المنظمات توزعها للنحالين
عرف العسل اليمني على مدى عقود من الزمن بقيمته الرفيعة، وجودته العالية، ما جعله يتبوأ مكانة عالمية، وجعلت منه أحد المقومات الاقتصادية المهمة للبلد.
ويعد العسل اليمني مصدر دخل للآلاف من الأسر اليمنية، لكن انتاج النحل في اليمن، تعرض في عهد النظام السابق للعديد من النكسات، ورافقته الكثير من الإشكاليات، لأسباب متعددة ومتنوعة، وفي مقدمتها العدوان الأمريكي السعودي على اليمن الذي بدأ في 26 مارس 20215م.
اليمن الزراعية – محمد الكامل
وكشفت اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية التي نشرتها الأجهزة الأمنية مؤخراً عن مدى الحقد الأمريكي في استهداف قطاع النحل باليمن، والعمل بكل جد للقضاء عليه، حيث تشير هذه الاعترافات إلى أن قطاع النحل، وإنتاج العسل تعرض لاستهداف ممنهج منذ السبعينيات، والثمانينيات من القرن الماضي، عبر استهداف ممنهج، وفق استراتيجية عملية مدروسة، أعدت بشكل واضح، ونفذت عبر مراحل، وأدوار محددة للمنظمات الأجنبية، ولكل عضو وفرد في هذه الخلية دور معين، وما خفي كان أعظم.
وفي هذا السياق يؤكد مدير عام الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة والري عبدالعزيز الجنيد أن الاستهداف الذي تعرض له قطاع النحل وإنتاج العسل، خلال العقود الماضية، كان ممنهجاً، وشاملاً، ومخططاً له منذ فترات طويلة، حيث تم استهداف البنية التحتية، والتشريعية، والمؤسسية لقطاع النحل، وإعاقة تطويرها وتحديثها، مثل بقية القطاعات الزراعية، فلا معامل، ولا مختبرات، لفحص أمراض النحل وجودة العسل، إضافة إلى ضعف التشريعات التي تنظم هذا القطاع.
ويضيف الجنيد في حديثه لصحيفة “اليمن الزراعية” أنه تم استهداف النحل كحشرة منتجة، خاصة وأن النحل اليمني سلالة ذات مواصفات جيدة، كعدم الإصابة بأمراض النحل كبقية سلالات النحل الأخرى، مبيناً أنه تم نقل أمراض عديدة للنحل اليمني عن طريق الأدوات والمستلزمات التي كانت المنظمات توزعها للنحالين.
ويشير إلى أن استهداف العسل كمنتج يمني ذي شهرة عالمية بعدم تنفيذ برامج لتسويقه وتطوير طرق وأساليب الإنتاج ومحاولات التقليل من جودة العسل اليمني، بالإضافة إلى استهداف النحال واعاقة تطوير معارفه العلمية، والعملية، وتطوير مهاراته وقدراته.
ويوضح أن المنظمات الأجنبية واصلت استهداف النحل بشكل مباشر عبر بتنفيذ حملات رش للمبيدات لمناطق تواجد النحل، كما يحدث بشكل متكرر من قبل منظمة الصحة العالمية عند تنفيذ حملات مكافحة البعوض الناقل للملاريا، إلى جانب استهداف غير مباشر للغطاء النباتي المخصص كمراعي للنحل، مثل تشجيع التحطيب، والاخلال بالتنوع النباتي.
خسائر كبيرة
وبحسب اعترافات الخلية التجسسية فيما يخص استهداف العسل اليمني، فقد قامت بالكثير من الأنشطة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كتوفير خلايا نحل ذات جودة أقل، بهدف تفكيك هذه الخلايا بعد فترة، وهجرتها من المنطقة المستهدفة، ونقل الكثير من الأمراض عبر المنظمات ومشاريعها المشبوهة، مسببة الكثير من الخسائر.
وعن مدى تأثير هذا الاستهداف الممنهج، يقول الجنيد: “إنه تسبب بخسائر كبيرة، وتراجع كبير في الإنتاج، كماً ونوعاً، حيث تراجع نمو النحل في عدد الخلايا، وحجم الإنتاج، بالإضافة إلى أن الخسائر كثيرة نتيجة الأمراض، أو المفاهيم المغلوطة لدى النحالين، حيث تراجعت أعداد خلايا النحل مما يزيد عن 2 مليون خلية، إلى قرابة مليون وثلاثمائة ألف خلية، كما انخفض إنتاج العسل بشكل كبير بنسبة 45%، في حين قدرت كميات العسل المفقودة بحوالي 3500 طن من العسل اليمني.
وحول الأساليب التي اتبعتها المنظمات الأجنبية ودوها في تدمير البنية التحتية لقطاع النحل يؤكد الجنيد أن المنظمات عملت على تنفيذ مشاريع نحل بدون إشراف ورقابة من الجانب الحكومي والرسمي، كما قامت بتوزيع خلايا نحل ضعيفة لمربي النحل، مما أدى إلى تفكك الخلايا، وهروب النحل، والذي بدوره أدى إلى انخفاض كمية العسل المنتج وخسارة المنتجين.
ويقول إنه بسبب التدخلات غير المسؤولة للمنظمات، انتشرت الكثير من الأمراض والأوبئة الخاصة بالنحل، بعد أن قامت المنظمات باستيراد مستلزمات نحل فيها إصابات مرضية، وتم توزيعها على الكثير من النحالين وبالتالي نشر تلك الأمراض.
ويضيف: “كما عملت المنظمات الأجنبية على نقل سلالات خارجية إلى داخل البلد، لضرب السلالة المحلية، لكن -والحمد لله- لم يتم ذلك، حيث كانت حجة المنظمات تقوية سلالة النحل المحلية، وأنها ضعيفة وانتاجها ضعيف، لافتاً إلى أن المنظمات عملت على توزيع خلايا نحل في مناطق لا تحوي مراعي نحلية، ومستفيدين ليس لهم علاقة بتربية النحل، ولا تحوي مناطق تواجدهم مقومات تربية النحل، وتكريس الكثير من المفاهيم المغلوطة فبما يخص النحل، وبالتالي فشل تلك المشاريع.
ويشير إلى أن هذه المنظمات تجاهلت التدريب والتأهيل الذي يحتاجه النحالون، مثل إنتاج المنتجات غير العسلية، وكيفية التعامل مع مختلف المراعي، والاستفادة من تنوع المراعي النحلية المتوفر لبلادنا، كما قامت بتوزيع العديد من خلايا وأدوات ومستلزمات النحل والنحالين، غير مطابقة للمواصفات.
ويبين أن معظم مشاريع النحل التي كانت تنفذها المنظمات الأجنبية، لا تعلم عنها الجهات الرسمية، ولم تمر عبرها، ولا يتم الاشراف عليها ومتابعة تنفيذها من قبل وزارة الزراعة ومكاتب الزراعة في المحافظات.
إجراءات وقائية
وللحد من آثار هذا الاستهداف قام المختصون في الإدارة العامة لتنمية الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة، وقطاع الثروة الحيوانية باللجنة الزراعية والسمكية العليا، بتكليف فريق للقيام بتنفيذ مسح ميداني لجميع المشاريع المنفذة من قبل المنظمات في مجال الثروة الحيوانية والنحل، بغرض تقييم تلك المشاريع ومعرفة الجدوى منها، والأثر الذي أحدثته تلك المشاريع واستمراريتها من عدمه، وتحديد الفائدة، أو الضرر منها، وبالتالي إعادة تحديد المسار الصحيح لتلك المشاريع، كما يقول عبد العزيز الجنيد.
ويؤكد الجنيد أن المشاريع التي تنفذ حالياً، تم توقيف معظمها، بغرض دراسة تلك المشاريع، وطبيعة التدخل، حسب الآلية المعدة من قبل الإدارة العامة للثروة الحيوانية، لتكون المشاريع المنفذة مخطط ومنسق لها من قبل الإدارة العامة للثروة الحيوانية، واشراك كادرها المتخصص في التدريب، والتأهيل، والفحص قبل التوزيع، لافتاً إلى أن دور المنظمة يقتصر على التمويل فقط، مع التأكيد على الاشراف المركزي والمحلي من قبل الادارة العامة للثروة الحيوانية، ومكاتب الزراعة في المحافظات، بعد التنسيق مع الجهات المختصة، كاللجنة الفنية بالوزارة، والمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية والتعاون الدولي، وجهاز الأمن والمخابرات، والمكاتب التنفيذية في بالمحافظات.
ويتميز العسل اليمني من التنوع البيئي التي يُرعى فيها النحل، كالجبال الشاهقة والوديان الممتدة والهضاب الواسعة والسواحل الطويلة التي يزخر بها البلد، ما أعطاه مناخاً فريداً ساعد في جودة الغطاء النباتي على مدار السنة، وهذا الأمر الذي أدى إلى تنوّع كبير في الأزهار والثمار، وبالتالي اختلاف أنواع العسل.
ويوضح نائب مسؤول وحدة العسل باللجنة الزراعية والسمكية العليا، يوسف القديمي، أن نحل العسل ومُنتجاته له أهمية اقتصادية وغذائية وطبية ودوائية وصناعية كبيرة، فهو جزء لا يتجزأ من الإنتاج الزراعي، بل يُعَد من أهم مشاريع الاستثمار الزراعي التي تدخل ضمن مشروعات الأمن الغذائي لإنتاج العسل، والشمع، والغذاء الملکى، وحبوب اللقاح وغيرها، بالإضافة إلى دوره في عملية تلقيح النباتات المُختلفة، وزيادة إنتاجها.
ويضيف القديمي في حديثه لصحيفة “اليمن الزراعية” أن العدو يدرك كل ذلك، ومن هنا يتضح لنا لماذا يركز على استهداف منتج العسل، باعتباره ركيزة أساسيه للدخل القومي الوطني، ويستفيد منه عشرات الالاف من الأسر اليمنية، كما يعد مصدراً غذائياً، ودوائياً، وذا مردود اقتصادي كبير على النحالين وغيرهم.
ويدعو الجهات ذات العلاقة إلى معالجة تلك الآثار عبر تحديد التدخل من قبل المنظمات مسبقاً، ونقل تنفيذ المشاريع إلى الجمعيات الوطنية المختصة، وتوعية المربين بخطورة التدخل بطرق خاطئة، إلى جانب عدد من الاجراءات القانونية ضد ما قامت به تلك المنظمات.