
التعليم الفني والتقني الزراعي
قبل سنوات، فضل الطالب فارس الداعري الانضمام إلى المعهد التقني الزراعي والبيطري بالعاصمة صنعاء، مؤكداً أن اختياره لهذا التخصص يأتي بهدف أن يكون قادراً على المساهمة في تطوير هذا القطاع.
ويضيف الداعري: “كان هذا التخصص خياري الأول لأنني كنت مهتمًا بالعلوم البيولوجية والزراعية منذ صغري، ويبدو أن هذا الشغف الطفولي تحول إلى التزام أكاديمي يعكس وعياً متزايداً بأهمية هذا النوع من التعليم”.
اليمن الزراعية- الحسين اليزيدي:
وبخصوص الحديث عن المناهج الدراسية، يؤكد الداعري أن هناك توازناً جيداً بين الجانبين النظري والعملي، مضيفًا أن “المناهج تغطي الجوانب النظرية والتطبيقية بشكل جيد، وهناك توازن جيد بين المحاضرات النظرية والتدريبات العملية في المختبرات والمزارع، مما يساعدنا على فهم المفاهيم النظرية وتطبيقها عمليا”، منوهاً إلى هذا التوازن يمثل حجر الزاوية في أي برنامج تعليمي يهدف إلى تأهيل كوادر قادرة على الانخراط مباشرة في سوق العمل.
ويشير الداعري إلى أن أبرز الصعوبات التي يواجهها هي كمية المواد التي يجب دراستها في فترة زمنية قصيرة، وأيضاً بعض التجارب العملية التي تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، ومع ذلك، فإن الدعم من الأساتذة والزملاء يساعدني على التغلب على هذه التحديات”، مؤكداً أن بيئة المعهد، رغم التحديات، تتيح فرصاً للنمو والتطور الشخصي والمهني.
أما عن خططه المستقبلية، فيقول: “بعد التخرج، أخطط للعمل في مجال الزراعة، والطب البيطري، أما في القطاع الحكومي أو الخاص، وأود أن أطور مهاراتي وخبراتي من خلال العمل الميداني والمشاركة في المشاريع البحثية والتنموية.
ويرى فارس الداعري أن التعليم الفني الزراعي والبيطري يحتاج إلى المزيد من التركيز على التدريب العملي والميداني، بالإضافة إلى تحديث المناهج لتواكب التطورات التكنولوجية والبحثية. كما أن التعاون مع القطاع الخاص والمزارع يمكن أن يساهم في توفير فرص تدريب عملي أفضل للطلاب”.
وبشأن قدرة سوق العمل على استيعاب الخريجين، يؤكد الداعري أن الفرص موجودة، شرط امتلاك المهارات، معتقداً أن سوق العمل يستوعب خريجي تخصصات الزراعة والطب البيطري، لأن هذه المجالات تعتبر حيوية لاقتصاد أي بلد، وهناك حاجة مستمرة للخبراء في هذه المجالات لتحسين الإنتاجية وزيادة كفاءة استخدام الموارد، ومع ذلك، من المهم أن يكون الخريجون مستعدين للتكيف مع التحديات والفرص الجديدة في سوق العمل”.
من جانبه يقول الطالب في المعهد التقني الزراعي “بسردود” محمد فايز إنه قرر الالتحاق بالمعهد عندما سمع السيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- في شهر رمضان في العام1442ه يتحدث بأن الجانب الزراعي هو العمود الفقري للاقتصاد، مؤكداً أن موجهات السيد القائد كانت السبب لالتحاقه بالمعهد واستشعاره لأهمية الجانب الزراعي والحيواني في بلادنا للوصول نحو الاكتفاء الذاتي، خصوصاً، وأنه يسكن في منطقة زراعية خصبة ويتم فيها زراعة محاصيل عدة.
وعن المناهج الدراسية يوضح فايز، أنها جيدة جداً، لكن يجب تحديث المناهج الدراسية مع التطورات الحديثة في المجال الزراعي، مشيراً إلى أن الصعوبات تكمن في ضعف الجانب العملي، وإلى النقص في المعدات الزراعيه الحديثه التي لابد من استخدامها في الجانب العملي.
ويؤكد أن المعهد يستوعب أكبر قدر ممكن في هذه التخصصات؛ لأنه -بفضل الله- وبفضل توجه القيادة الحكيمة لدعم المجال الزراعي، فهناك دعم غير محدود وبوجود الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض في كل مديرية لدعم المزارعين وخدمتهم وتحقيق نجاحات متميزة مستمرة، فإن سوق العمل يستوعب أكثر وأكثر، آملاً أن يتحقق له النجاح والتوفيق مع جميع زملائه.
نوافذ أمل
وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه التعليم الفني والتقني الزراعي والبيطري في بلادنا، إلا أن النوافذ المفتوحة للأمل لا تزال كثيرة، بدعم من الكفاءات الوطنية العاملة في الميدان، والكوادر التي لا تزال تؤمن برسالة هذا النوع الحيوي من التعليم كأحد أركان التنمية الزراعية في البلاد.
وفي هذا الشأن يقول رئيس قسم الإنتاج الحيواني في معهد “سردود” الدكتور جعفر فؤاد إن التعليم الفني الزراعي والبيطري يمر بظروف صعبة، ويؤكد أن التعليم الفني الزراعي يواجه تحديات كبيرة وهناك كوادر متفانية تبذل جهوداً كبيرة ذاتية للحفاظ على جودة التدريب، في ظل غياب الكثير من المقومات.
ويضيف: “نعمل بوسائل متواضعة جدًا.. لا توجد لدينا أجهزة، أو أدوات تدريب حديثة، ولا حيوانات تجريبية كافية، ونفتقر إلى المختبرات المناسبة، ورغم هذا، نلجأ إلى الأساليب البديلة ونعتمد بشكل كبير على الشرح النظري والتجارب البسيطة داخل الفصل أو من خلال مبادرات خارجية بالتعاون مع جهات محدودة.”
ويشير الدكتور جعفر إلى أن الإقبال على التخصصات الزراعية والبيطرية لا يزال ضعيفاً، وغالبا ما يتم اختيارها كخيار ثانوي من قبل الطلاب، مرجعاً ذلك، برأيه، إلى ضعف الوعي المجتمعي حول أهمية هذه التخصصات، وغياب الرؤية الواضحة لمستقبل الخريجين في سوق العمل. ويضيف أن “الكثير من الطلاب يأتون من بيئات ريفية، ويعانون من ضعف أكاديمي، لكننا نبذل جهدًا كبيرًا لتجاوز ذلك، من خلال تبسيط المفاهيم واستخدام أمثلة عملية من واقعهم اليومي”.
ركيزة أساسية
من جانبه، يؤكد رئيس قسم الطب البيطري في المعهد التقني الزراعي والبيطري بصنعاء الدكتور محمد مراد، أن التعليم التقني الزراعي والبيطري يُعد ركيزة أساسية لا غنى عنها في النهوض بالاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
ويقول: “هذا النوع من التعليم ميدانٌ حيوي مرتبط مباشرة بالأمن الغذائي، والاعتماد على الذات، وتنمية الريف في بلادنا.
ويضيف: “نحن نواجه تحديات كثيرة، لا تقتصر فقط على الجانب الأكاديمي أو الإداري، بل تمتد إلى الظروف المعيشية للمدرس نفسه، الذي يعمل رغم ضعف الرواتب والدعم، لكنه يدرك أهمية الرسالة التي يحملها تجاه طلابه ومجتمعه”.
ويتابع الدكتور مراد: “نحن في المعهد نحاول قدر الإمكان تحديث المناهج، وقد أقمنا دورة في الوزارة تهدف إلى تطوير المحتوى التعليمي وجعله أكثر ملاءمة لمتطلبات العصر، كما نُشجع الطلاب على القيام بالأبحاث والمشاريع التي ترفع من قدراتهم التطبيقية، وتمدّهم بالمهارات التي يحتاجونها مستقبلاً”.
ورغم محدودية الأدوات، يشير الدكتور مراد إلى توفر بعض الأجهزة والمستلزمات القديمة التي ما تزال صالحة جزئياً للاستخدام، لكنها بحاجة ماسة للتحديث وتوفير المواد التشغيلية من محاليل وتجهيزات تطبيقية.
ويعلق على تراجع إقبال الطلاب بقوله: “نحن نسعى لرفع الوعي بأهمية هذه التخصصات، ونعمل على تذليل العقبات الأكاديمية التي يعاني منها بعض الطلاب، خاصة من القرى، من حيث مستوى الفهم والكتابة، بالمزيد من الدعم والتوجيه، معتقداً أن تطوير الكادر التدريسي هو حجر الأساس لتحسين جودة التعليم، مقترحاً ضرورة تنفيذ برامج تدريبية مكثفة، وطباعة المقررات الدراسية بشكل دوري لتكون في متناول الجميع، حيث إن بعض المواد لا تتوفر إلا في شكل مذكرات خاصة لدى المدرس فقط، مما يعيق الطلاب عن المذاكرة المستقلة.
ويؤكد الدكتور مراد أن التعليم الفني الزراعي والبيطري له دور محوري في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال الحفاظ على الثروة الحيوانية، وحمايتها من الأمراض، وتوفير التوعية لمربي المواشي، فضلًا عن الدور الذي يلعبه المهندسون الزراعيون في تحسين جودة الإنتاج الزراعي، ورفع كفاءة استخدام الموارد ولابد من الاهتمام به.
