إرشاداتصحافة

البحر اليمني… تنوّع مناخي يعِد بفرص واعدة للتنمية

وزير الحاتمي

لا يُذكر البحر اليمني دون أن يستدعي الذهن صورًا لسواحل مترامية الأطراف، وأنظمة بيئية فريدة، ومواسم مناخية متقلبة تُنبت الحياة وتعيد تشكيلها كل عام. لكن ما يغيب عن المشهد كثيرًا هو ما يعنيه هذا التنوع المناخي البحري لبلد يرزح تحت تحديات اقتصادية صعبة، ويبحث عن فرص مستدامة للنمو. في الحقيقة، يُعد هذا التنوع البحري من أعظم ما تملكه اليمن من ثروات، إذا ما أُحسن استغلاله وتوجيهه.
الموقع الجغرافي لليمن على مفترق بحار ثلاث (البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب) خلق بيئات بحرية متنوعة، تمتاز كل منها بمناخها الخاص، وأنواعها الفريدة من الأحياء البحرية. في الغرب، تهيمن المياه الدافئة والمغذيات الغنية على سواحل البحر الأحمر، ما يجعلها مثالية لتكاثر أنواع عديدة من الأسماك، وفي الجنوب الشرقي تمتد التيارات المحيطية التي تجذب أنواعًا مختلفة من الكائنات البحرية إلى سواحل حضرموت والمهرة وسقطرى، حيث الشعاب المرجانية الأكثر تنوعًا في المحيط الهندي.
هذا الاختلاف المناخي والبيئي لا يمنح اليمن مجرد وفرة في الأنواع، بل يخلق فرصًا استثمارية وتنموية مرنة. فكل منطقة بحرية يمكن أن تتخصص في نشاط مختلف: الاستزراع السمكي، الصيد التقليدي، السياحة البحرية، أو الصناعات التحويلية المرتبطة بالأسماك والطحالب. ويمكن من خلال فهم الأنماط المناخية الموسمية تنظيم مواسم الاصطياد بما يتوافق مع فترات التكاثر والراحة البيولوجية، وهو ما يضمن الاستدامة ويمنع الاستنزاف.
من الناحية الاقتصادية، فإن تطوير قطاعات تعتمد على هذا التنوع المناخي البحري يمكن أن يشكّل روافد حيوية للدخل القومي. فالسياحة البيئية البحرية مثلًا، رغم محدودية الاستثمار فيها حتى الآن، تمتلك إمكانيات هائلة، خصوصًا في سقطرى، التي تمثّل متحفًا بيئيًا طبيعيًا نادرًا. كذلك، فإن الصناعات السمكية، إذا ما نُظّمت وبُنيت على أسس حديثة، يمكن أن تخلق فرص عمل وتحسن من الميزان التجاري للبلاد عبر التصدير للأسواق الإقليمية والعالمية.
لكن السؤال يبقى: من يدير هذا التنوع؟ وهنا يبرز دور وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، عبر خططها الرامية إلى تطوير البنية التحتية للقطاع البحري، وتحديث القوانين المنظمة، وتدريب الكوادر الوطنية على أسس الإدارة البيئية الحديثة. كما يتكامل هذا الدور مع الجهود اليومية التي تبذلها الهيئات المختصة في القطاع السمكي، من رقابة، وتخطيط، ودعم فني للصيادين والمجتمعات الساحلية.
إن التحدي الأكبر ليس في التنوع المناخي ذاته، بل في مدى قدرتنا على قراءته، وتحويله من معطى طبيعي إلى ركيزة اقتصادية. المطلوب اليوم رؤية شاملة توائم بين حماية البيئة البحرية والاستثمار فيها، وتعزز من دور المجتمعات الساحلية كعنصر فاعل في التنمية، لا كمتلقٍ فقط.
إن اليمن يمتلك مخزونًا هائلًا من الفرص على امتداد بحاره، ما بين شعاب مرجانية وأسماك مهاجرة، ومنحدرات بحرية وجزر فريدة، وكلها تنتظر لحظة وعي وقرار جريء… لحظة يتحوّل فيها البحر من هامش مهمل إلى مركز للنهوض الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى