زراعة الأسطح

عندما يتحول الحلم إلى خضرة وحصاد
اليمن الزراعية – محمد حاتم
في مدينة ذمار، وبينما تتزاحم التحديات الاقتصادية والمعيشية، اختار مجموعة من الشباب أن يصنعوا الفرق بأنفسهم، فكانت مبادرة “أسطح ذمار الخضراء” علامة فارقة في مسار الزراعة المنزلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث قاد هذه المبادرة محمد عطية وعصام العميسي، ومعهم فريق من الشباب الحالمين بمستقبل أكثر خضرة واستدامة. بدأت الفكرة بسيطة لكنها ذات أبعاد عميقة: لماذا لا نحوّل أسطح المنازل المهملة إلى حدائق منزلية؟ كانت هذه الفكرة مستلهمة من توجيهات القيادة بدعم الزراعة، ومع كل حفنة تراب وشتلة خضراء، كان هؤلاء الشباب يغرسون الأمل في قلوب الناس. يقول محمد عطية: “كنت أنظر إلى سطح منزلي ذات صباح وأنا أتأمل الفراغ والمساحة، وبدأت أفكر لماذا لا أستغل هذا السطح؟” ومن هنا وُلد العزم واشتد الإصرار على تحويل السطح الإسمنتي إلى واحة خضراء. ورغم قلة الخبرة وصعوبة توفير المواد، إلا أن الإصرار كان كفيلًا بتجاوز العقبات، ويقول عصام العميسي: “لم تكن لدينا الخبرة الكافية، لكن امتلكنا الإرادة، وبدأنا بما هو متاح من شوالات فارغة ومواسير معاد تدويرها، وشيئًا فشيئًا بدأت الأسطح تتزين بالخضرة”. زرع الفريق محاصيل تلبي حاجات الأسر مثل الطماطم والبطاط والخس والبسباس والجرجير وحتى الفراولة، مستخدمين تقنيات مبتكرة كالتنكة والشوالات للزراعة الأفقية، والمواسير البلاستيكية للزراعة العمودية، مع الحرص على التوفير والاستدامة من خلال إعادة تدوير الأحواض الخشبية والمخلفات المنزلية وشبكات ري بالتنقيط والرش اليدوي. لم يكن الطريق سهلاً، فقد واجه الفريق برودة قاسية أضرت بمحصول الفراولة، ونقصًا في الخبرة، وصعوبة في إقناع المجتمع المحلي في البداية، لكنهم بالإصرار والتجربة والبحث استطاعوا تجاوز العقبات وتحقيق نتائج ملموسة غيّرت نظرة الناس إلى الفكرة، ويقول محمد عطية: “الكثير شكك في البداية، لكننا كسبنا ثقتهم بالنتائج على الأرض”. أثبتت المبادرة أن الزراعة المنزلية ليست فقط لإنتاج الغذاء، بل وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وتحقيق أمن غذائي وتقليل الإنفاق وتحسين البيئة، وبدأت الأسر المشاركة تقطف من خضرتها بشكل يومي، وبعضها فكر في بيع الفائض كمصدر دخل إضافي. لم تكن المبادرة مجرد زراعة، بل كانت رحلة تعلّم وتغيير اجتماعي، وقصة إلهام ونموذج يحتذى به، حيث أثبت محمد وعصام ورفاقهم أن الأمل يمكن أن يُزرع، وأن كل سطح منزل هو فرصة للحياة، وأن التنمية تبدأ بخطوة جريئة حتى لو كانت على سطح منزل. وبعد هذه التجربة، قد يأتي يوم نرى فيه أسطح منازل ذمار وغيرها من المدن اليمنية وقد تحولت إلى مسطحات خضراء وحدائق معلقة في السماء تؤتي أكلها كل حين، فالزراعة على الأسطح لا تعكس فقط مشهداً جمالياً، بل تُجسد قصة نضجت فيها البذور بالعزيمة، وسقيت بالإرادة، وأثمرت أملاً قابلاً للتكرار في كل بيت يمني، وتُعد هذه المبادرة مثالًا يُحتذى به في تحويل التحديات إلى فرص، وتذكيراً بأن في زوايا الحياة المهملة قد يكمن المفتاح لغدٍ أجمل وأكثر اكتفاء.
