
رثاءٌ في حضرة القائد والوزير المجاهد الذي عاش للأرض والإنسان ورحل شهيدًا
اليمن الزراعية- الحسين اليزيدي:
في يوم ممزوج بالألم والفخر، ودّعت اليمن، ومعها كل عشاق التنمية والزراعة والعمل الوطني، أحد أبرز رجالاتها المخلصين: الشهيد الدكتور رضوان علي الرباعي، وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، الذي قضى نحبه شهيدًا وهو يؤدي رسالته، مؤمنًا بأن خدمة الأرض والإنسان جهاد في سبيل الله.
لقد كان رجلاً تنمويًا يحمل على عاتقه مسؤولية المواجهة الاقتصادية، حيث جعل من القطاع الزراعي قضيته الأولى، ساعيًا بكل جهده نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل فاتورة الاستيراد، مرتكزًا على الموارد الوطنية المتاحة، ومستلهِمًا توجيهات القيادة في رسم ملامح نهضة زراعية شاملة.
وفي مستهل شهادات الرثاء، يتحدث عبدالله العامري، مدير مكتب الزراعة بمحافظة البيضاء، قائلًا: “عرفناه رجلًا تنمويًا، كل اهتمامه أن يصل الجانب الزراعي بشقيه النباتي والحيواني إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي وتقليل فاتورة الاستيراد، والعمل على تنفيذ مصفوفة موجهات السيد القائد -يحفظه الله- للنهوض بالقطاع الزراعي اعتمادًا على مواردنا المتاحة في البلاد، والعمل على إيجاد نهضة زراعية كبيرة من خلال التوسع الزراعي الأفقي والرأسي. وكان مثالًا للعطاء والتفاني والهمة العالية دون كلل أو ملل، فرحم الله الشهيد الدكتور رضوان الرباعي وكل زملائه الشهداء وحفظ الله اليمن ولا نامت أعين الجبناء.
عمل جهادي
وعلى صعيد متصل، يقدّم حسن هزازي، مدير عام مكتب الزراعة بمحافظة حجة، شهادته عن الراحل، قائلاً: “لقد كان الأخ المجاهد الشهيد الدكتور رضوان الرباعي، وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، لنا أخاً وأباً ونبراساً وسنداً في كل الأحوال والظروف وكان يحثنا على العمل الجاد والدؤوب والمتواصل لخدمة المزارعين في جميع مديريات محافظة حجة، وخلق وعي مجتمعي بأهمية الزراعة، خصوصاً المحاصيل الاستراتيجية مثل الحبوب والبقوليات.
ويضيف: “كان يحثنا على توفير ما يحتاجه المزارعون من المدخلات، كمساهمة في توفير مدخلات بأسعار معقولة، والحرص على تقديم الإرشاد اللازم للمزارعين عبر المدارس الحقلية كإرشاد منظم وفقاً لسلاسل القيمة وعبر مختلف وسائل الإرشاد المتاحة، وكذلك تأهيل الجمعيات الزراعية وإكسابها الخبرات اللازمة التي تمكنها من أداء دورها بالشكل المطلوب.
ويواصل: “كان يتحدث عن العمل الزراعي والتنموي على أساس أنه عمل جهادي، وهو من كمال الإيمان، وكان حريصاً كل الحرص على إكسابنا الوعي بأهمية خلق سياسات زراعية وتنموية قائمة على هدى الله وعلى الشراكة المجتمعية الواسعة، وفق آليات منظمة توزع المهام بعدالة وتساعد على تحقيق الأهداف بكل سهولة ومرونة”.
لقد جمعت هزازي بالشهيد الدكتور الرباعي عدة أعمال ولقاءات، وكان آخرها عند زيارته لمحافظة حجة خلال الزيارة العيدية للمحافظة، حيث سألني – والكلام لهزازي- عن جميع جوانب العمل الإدارية والميدانية، والصعوبات التي تواجه العمل والحلول المقترحة للتغلب عليها، كما سألني عما تم إنجازه في أنشطة مشروع التوسع في زراعة المحاصيل الأساسية بمحافظة حجة خلال عام 1446، ومستوى الإنجاز في مشروع تأهيل وتفعيل المشاتل بالمحافظة، والمدارس الحقلية التي تم تفعيلها أو إنشاؤها، ومتابعة الجمعيات الزراعية ومساندتها، والاهتمام بالمناسبات الدينية والثقافية، والاهتمام بكادر القطاع الزراعي بالمحافظة وغيرها من المواضيع المتعلقة بجوانب العمل.
ويقول هزازي: “استمعت إلى ملاحظاته وتوجيهاته وتعليقاته على كل جزئية من المواضيع التي استعرضتها له، والتي كانت بالنسبة لي نبراساً ودليلاً أعتمد عليه لمعالجة الفجوات والتغلب على الصعوبات، كنا نجده عند الشدائد والملمات حاضراً، سواء ما يتعلق بالعمل الإداري أو الميداني”.
ويضيف: “لا تسعفني الكلمات لأعطيه حقه من الوصف أو التوضيح، فالمصاب جلل والألم كبير، لكنه نال ما كان يتمنى، وهذا وسام شرف ووسام عظيم لا يمنحه الله إلا لأوليائه المخلصين الصادقين، مؤكداً أننا على دربه سائرون حتى يتحقق النصر والاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي لوطننا الغالي، أو نلقى الله شهداء كما لقيه قائدنا وربان سفينتنا شهيداً.
من جهته يقدم مدير عام مكتب الزراعة بمحافظة الجوف مهدي الظمين، كلماته المؤثرة عن الوزير الشهيد القائد الدكتور رضوان علي الرباعي، الذي كان نموذجاً فريداً في العطاء والتفاني، فقد تجاوز دوره كوزير ليكون عوناً حقيقياً لنا في كل خطوة نخطوها نحو التميز والإنجاز، وكان سنداً قوياً وأباً حنوناً، يجمع بين الحكمة والرحمة، وبين العقلانية والعدل.
ويضيف: “لم يكن معاليه مجرد شخصية رسمية، بل كان قائداً ملهماً يعمل بجد واجتهاد، ويولي اهتماماً كبيراً لكل التفاصيل، وكان دائماً يشجعنا على تقديم الأفضل ويشعرنا بأننا جزء لا يتجزأ من هذا النجاح، أما عن صدقه وإخلاصه، فقد كانا واضحين في كل موقف وكل قرار، إذ كان دائماً على استعداد لتقديم يد العون والوقوف بجانبنا في كل التحديات التي واجهتنا”.
كان التعاون سمة بارزة في عملنا مع معالي الوزير -بحسب الظمين- فقد كان دائم الاتصال بنا، يستمع إلى أفكارنا، ويستفسر عن احتياجاتنا، ويعمل على تذليل كل العقبات التي تقف في طريقنا، وكان التشجيع جزءاً أساسياً من نهجه، فقد كان يؤمن بقدراتنا ويحفزنا على الإبداع والابتكار، ويشعرنا بأننا قادرون على تحقيق الأهداف، وفي كل مرة كنا نواجه فيها تحديات، كان يقف معنا، يقدم لنا الدعم والمشورة، ويعمل على توفير كل الإمكانيات التي تمكننا من النجاح.
ويواصل: “كان أباً ومعلماً ومرشداً، ترك بصمة لا تُمحى في قلوبنا وعقولنا، ونحن اليوم نقف أمام فراغ كبير، فراغ تركه في قلوبنا وذاكرتنا، فراغ الفقد الذي لا يمكن ملؤه، وفراغ الحزن الذي يعتصر قلوبنا، وكان رحيله عنا فاجعة كبيرة صدمتنا جميعاً وتركت فينا ألماً لا يوصف، لكن رغم هذا الألم، ورغم شدة الحزن الذي يخيم علينا، نجد في أنفسنا القوة، ونجد في ذاكرتنا ذكرى عطائه، ونجد في قلوبنا حبه وتقديرنا له.
ويزيد قائلاً: “نودعك يا دكتورنا ووزيرنا شهيدًا مجيدًا على طريق القدس، ونعاهدك أن نواصل المسير، وأن نسير على الدرب الذي خططته لنا، سنكون على العهد، وعلى الوعد، وسنعمل بكل ثبات وصمود وتصميم لتحقيق ما كنت تتمناه، لتحقيق ما نتمناه جميعًا، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن نصبح دولة قوية ومستقلة، دولة تنهض على أرضها، دولة ترفع رأسها بين الأمم.. وداعًا يا أبانا وقائدنا، وداعًا يا رمز العطاء والتضحية. سنظل دائمًا مدينين لك، وسنظل دائمًا ممتنين لما قدمته لنا. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.
رجل الحل وتيسير العمل
من جانبه، يتحدث الأكاديمي منصور الضبيبي بكلمات مؤثرة عن معرفته بالشهيد قائلاً: “عرفت الشهيد الدكتور رضوان الرباعي، رحمه الله، في بداياته الأكاديمية بجامعة حجة، فكان مثالًا للعالِم الطموح والمجتهد الذي يحمل في قلبه همّ الوطن وفي عقله رؤى التطوير، وقد جمعتني به أول ورشة عمل للتشبيك بين الجهات الفاعلة في مجال إنتاج بذور البطاطس محليًا عبر تقنية زراعة الأنسجة في ديسمبر 2019، فكان يومها شعلة من الحماس وصوتًا صادقًا للدعم، ممثلًا للجنة الزراعية، ومؤمنًا بأن هذا المشروع سيكون ركيزة للاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي.
ويواصل : “كان حضوره تعبيرًا عن إيمان راسخ بالمشروع، فقد تبنّاه قلبًا وقالبًا. وعندما واجهت الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس عقبات مالية وإجرائية، كان هو السند والداعم، فسعى بقوة لإقناع الجهات المعنية بتقديم قرض كبير أنقذ المشروع وفتح أمامه آفاق النجاح. ومع انتقاله إلى منصب نائب وزير الزراعة والري، ثم وزيرًا للزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، لم يتراجع عطاؤه ولم يفتر حماسه، بل ازداد رسوخًا وثباتًا”.
ويقول : “لقد لمسنا في كل خطوة يخطوها اهتمامه العميق بالقطاعات الاستراتيجية: البن، الحبوب، وإنتاج البذور محليًا، إضافةً إلى رؤيته الواسعة لتطوير بقية قطاعات الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية. ورغم ثقل المسؤوليات التي حملها بعد دمج هذه القطاعات تحت مظلة وزارته، ازداد نشاطًا وتوقدًا، وكأن اتساع المهام كان دافعًا لمزيد من العطاء لا عائقًا أمامه”.
وبصفتي الأكاديمية – كما يقول الضبيبي- وجدت فيه الوزير المؤمن بالعلم، الساعي لتفعيل دور الجامعات وكليات الزراعة وكوادرها الوطنية، فبادر إلى عقد ورشة عمل كبرى لاستعراض محاور الاستراتيجية الوطنية للزراعة، ودعا الأساتذة والباحثين لتقديم أوراق عمل في مجالات تخصصهم، كان لي شرف المشاركة إلى جانب زملاء متميزين في إعداد استراتيجية البذور، وهي دعوة عكست إيمانه بأن التنمية الحقيقية لا تقوم إلا بالشراكة مع العقول والخبرات الوطنية.
لم يفرق الدكتور رضوان بين قطاع حكومي أو خاص أو جمعيات تعاونية أو مؤسسات تنموية؛ فكل جهد وطني في خدمة الزراعة كان محل تقديره ودعمه، كما عمل على تنظيم أعمال اللجنة الفنية في الوزارة وربطها بكل الأنشطة الزراعية، وظل حاضرًا بقوة: في الميدان، في الجامعات والكليات، في المؤسسات الإنتاجية والبحثية والخدمية، بل امتد نشاطه ليشمل مؤسسات الثروة السمكية، حتى كانت آخر زياراته الميدانية إلى محافظة الحديدة حافلة بالحيوية والعمل.. رحم الله الدكتور رضوان الرباعي، فقد رحل جسدًا وبقي أثره شاهدًا على إخلاصه وعطائه. هنيئًا له ثمرة جهوده، وهنيئًا له حسن الخاتمة التي تليق برجل عاش حياته في خدمة الأرض والإنسان والوطن.”
شهادة المُزارع
أما المزارع عبد المجيد الجرادي فيقدم شهادة صادقة من قلب الميدان الزراعي، يكشف فيها عن علاقة الشهيد بالمزارعين ودوره في إنصافهم ودعم مشاريعهم. ويقول: “كان لنا ولكل المزارعين الأمان والملجأ من كل هامور في مؤسسات الدولة، فكان كالأسد يزأر إذا سمع صوت مظلوم من أي مزارع، وتسمع لزئيره خبراً يثلج الصدور.
ومن المواقف التي حصلت لي مع الشهيد فيما يخص زراعة الصويا – كما يقول الجرادي – أنه تم عقد اتفاق بيني وبين مؤسسة الحبوب بسعر معلوم، وتكفلت بكامل تكاليف المشروع من حر مالي، ولكن جاء وقت الحصاد وتم تسليم الإنتاج، ولأول مرة في اليمن نوفر كمية كبيرة من بذور فول الصويا، ولكن تفاجأنا بتوقيف آخر مبلغ لنا تحت أعذار مخالفة للعقد.
وفي يومها، لا أعلم من كلم الدكتور وأخبره أنهم حتى الآن لم يحاسبوني، فاتصل بي شخصياً وقال: (يا جرادي، كنت أحسب أنهم قد حاسبوك، المعذرة منك ومن المزارعين، ولكن أنا اتصلت بهم الآن وأعطيتهم فرصة اليوم وغداً، وإذا تأخروا لي شأن معهم، وأريدك أن تحضر عندي لنجهز الموسم)، ولم تدرِ الساعات إلا والحساب مستوفى لدينا، فكان نصيراً للمظلوم وصوتاً صادحاً للحق، وإنا على دربه ماضون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.