الثروة الحيوانية: من أصول النعم العظيمة المتاحة للناس

الدكتور : رضوان الرباعي *
قال تعالى: «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون».
تُعدّ الثروة الحيوانية من أصول النعم الكبرى التي أنعم الله بها على الناس، لما لها من فوائد متعددة في توفير احتياجاتهم المختلفة. فهي تمثل اليوم رافدًا غذائيًا واقتصاديًا مهمًّا، لا يقل شأنًا عن الثروة النباتية، بل إن بينهما علاقة تكامل وتوازن تعزز الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي للمجتمع.
لقد أدرك الآباء والأجداد هذه القيمة العظيمة، فحرصوا على تربيتها والاهتمام بها، لأنها كانت مصدرًا لغذائهم ودخلهم المعيشي، ولها منافع في الزراعة والنقل. بل نقول إنها كانت سابقًا جزءًا من ثقافتهم وحياتهم اليومية؛ حيث حرصوا على تربيتها وحمايتها من الأخطار، واستخدموا أساليب تقليدية فعّالة في الرعي والتغذية. لقد كانت علامة من علامات الخير والبركة، ولم يكن هناك بيت في الريف إلا وفيه ثروة حيوانية، وكانت تلقى من العناية ما يعكس وعي الأجيال السابقة بأهميتها، الأمر الذي يستوجب الشكر والتذكر لنِعَم الله سبحانه وتعالى.
أما اليوم، فبالرغم من التقدّم في وسائل الإنتاج، إلا أن الثروة الحيوانية في بلادنا تواجه تحديات كبيرة. من أبرزها غياب الوعي بمخاطر إغراق السوق بالثروة الحيوانية المستوردة، والأمراض والأوبئة، خاصة تلك التي تنتقل عبر المستورد منها، مما يشكّل خطرًا على الثروة الحيوانية المحلية. كما أن الممارسات الخاطئة، كالرعي الجائر، أدّت إلى تدهور المراعي الطبيعية وأثرت على صحة ونمو المواشي. إضافة إلى زيادة إنتشار ظاهرة ذبح إناث وصغار المواشي، وهي من أخطر الممارسات التي لا تراعي مصلحة المجتمع، وتعبّر عن غياب الرشد والحكمة في التعامل مع هذه النعمة.
ونظرًا لأهمية الثروة الحيوانية، فقد جاءت موجهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله ويرعاه – في محاضراته وخطاباته، مؤكدة على ضرورة الاهتمام بالثروة الحيوانية، والحفاظ عليها، وتنميتها. وقد ركز على تصحيح السياسات الخاطئة في التعامل مع هذه النعمة، والاستفادة منها، وتغذيتها من خلال إنتاج الأعلاف، والاهتمام بالجانب البيطري والوقائي. كما شدّد على أهمية الرشد وحُسن الاستخدام،وعدم التعامل العشوائي معها، والحد من ظاهرة ذبح الإناث والصغار؛ لأن الإناث ثروة للإنتاج، وذبح الصغار يُفقد الثروة قيمتها الغذائية والإنتاجية والعائد الاقتصادي. وأكّد على ضرورة اتباع الطرق الشرعية في الذبح والسلخ، ومنع تهريبها خارج البلاد، خصوصًا الإناث.
كذلك، شدّد على أهمية العناية بإنتاجها المتعدد من لحوم وحليب وصوف، والاستثمار في هذه النعمة برشد وحكمة، كونها من روافد الاقتصاد المحلي، ومصدر دخل لفئة واسعة من أبناء البلد.
إن الحفاظ على هذه الثروة الحيوانية وتنميتها مسؤولية جماعية، تستحق منّا العناية والاهتمام، والرشد والحكمة، وحُسن الاستخدام في التعامل معها. ويكون ذلك من خلال الاهتمام ببرامج التربية والتسمين، وبرامج الأعلاف والتغذية، وبرامج الصحة الحيوانية والطب البيطري، إضافة إلى تعظيم النعمة، والاستفادة والاستثمار في جميع منتجاتها، والحد من الممارسات والتصرفات الخاطئة، والتعاون مع الوزارة للاستمرار في منع استيرادها. فنحن ننتج أعدادًا كبيرة، ونُصدر كميات كبيرة، ولا نحتاج للاستيراد. وهذه نعمة نحمد الله عليها.
ومن يسعى لاستيرادها أو تهريبها إلى البلاد، لا يقل خطورة عن العدو الذي يمارس حربًا اقتصادية على بلدنا. بل يمكن القول إنه يضرب الأمة في أساسها وأمنها واستقرارها واقتصادها، ويخالف التعليمات والتوجيهات الإلهية، وموجهات القيادة في الرشد والحكمة، وحسن الاستخدام والاستثمار لهذه النعمة.
*وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية