إرشاداتصحافة

الحفاظ على خيار البحر: ضرورة اقتصادية وبيئية وطنية

د/سامي عبد الجبار الجنيد

تمتلك المياه اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن ثروة بحرية نادرة، تشكل خيار البحر أحد أبرز مكوناتها وأكثرها قيمة. حيث يوجد في العالم أكثر من 1250 نوعاً مختلفاً من خيار البحر
وفي البحر الأحمر وحده توجد 80 نوعاً مختلفاً.
فقد أصبح هذا الكائن البحري في السنوات الأخيرة مصدراً مهماً للدخل، خاصةً للصيادين الحرفيين، كما أسهم في توفير عائدات من العملة الصعبة عبر التصدير. غير أن هذا المورد الحيوي يواجه اليوم خطر الاستنزاف الكامل إذا لم تتخذ خطوات عاجلة لإدارته بشكل مستدام.
خيار البحر: مهندس البيئة البحرية
يُعد خيار البحر من المهندسين البيئيين الأساسيين، إذ يعزز بشكل كبير مرونة النظم البيئية البحرية وصحتها، بالإضافة إلى دوره في التراكم الحيوي. ويُعدّ الاضطراب الحيوي، الذي يُحسّن بنية الرواسب، والتهوية، وإعادة توزيع المغذيات، أحد أهم أدواره البيئية من خلال إطلاق النيتروجين والفوسفور، يساعد خيار البحر في إعادة تدوير العناصر الغذائية، التي تدعم حياة الشعاب المرجانية والأسماك. كما يسهم في تكوين الشواطئ عبر تحلل الرواسب الكربونية، ويعزز التنوع البيولوجي البحري ويعزز الإنتاجية القاعية وتؤكد الدراسات أن خيار البحر يقوم بفصل الملوثات البترولية من الماء وقد يؤدي فقدان هذا الكائن من المنظومة الإيكولوجية إلى اختلالات بيئية يصعب إصلاحها .
ثروة اقتصادية مهددة
إلى جانب أهميته البيئية، يمثل خيار البحر ثروة اقتصادية. تشير بيانات سابقة إلى أن مدينة الحديدة وحدها صدّرت نحو 94% من إجمالي الكمية المصدرة بين عامي 1999 و2006، بعائدات قاربت 48.5 مليون دولار. وتباع بعض أنواعه ذات القيمة العالية مثل أبو سمبوك والسيكا الأبيض بما يتراوح بين 20 و30 دولاراً للكيلوغرام الواحد. هذه الأرقام تعكس حجم العائدات الممكنة إذا ما أُديرت هذه المصائد بحكمة.
خطر الانقراض الاقتصادي والبيئي
غير أن الصورة الحالية مقلقة. فقد تراجعت أعداد معظم الأنواع التجارية. كون النمو البالغ لخيار البحر يستغرق من خمسة إلى ثمانية سنوات، مما يجعل الصيد الجائر لهذا الحيوان يشكل خللاً خطيراً للمنظومة البيئية خاصة مع الانتقال من الغوص التقليدي إلى استخدام أجهزة الغوص بالهواء المضغوط (SCUBA) ما زاد الضغط على المخزونات وأدى إلى حوادث وفاة وإعاقات بين الصيادين أنفسهم. كما يتم اصطياد بعض الأنواع مثل H. scabra كصيد عرضي أثناء صيد الروبيان بشباك الجر. النتيجة: الأنواع الثلاثة الأعلى قيمة على وشك الانقراض من مياه اليمن.
الحاجة إلى تدخل عاجل
الخبراء يوصون بفرض حظر فوري على جمع جميع أنواع خيار البحر لمدة عامين على الأقل، مع منع دائم لاستخدام معدات الغوص بالهواء المضغوط في هذا النشاط. هذا الإجراء، وإن كان سيؤثر مؤقتًا على دخل الصيادين، إلا أنه السبيل الوحيد لإتاحة فرصة للتعافي الطبيعي للمخزونات البحرية.
نحو إدارة مستدامة
لا يكفي الحظر وحده، بل يجب أن تتبعه خطة متوسطة المدى تتضمن:

  • إجراء بحوث علمية شاملة لتقييم المخزون البحري.
  • سن تشريعات صارمة خاصة بخيار البحر وتفعيل الرقابة.
  • إطلاق برامج توعية للصيادين والمجتمعات الساحلية حول مخاطر الاستنزاف.
  • تعزيز التعاون الإقليمي مع دول البحر الأحمر وخليج عدن في مجال الإدارة المستدامة.
    استثمار في المستقبل
    صحيح أن الحظر والإجراءات الصارمة قد تفرض تحديات قصيرة المدى على المجتمعات الساحلية، لكن عدم التحرك سيؤدي إلى خسائر اقتصادية وبيئية طويلة الأمد قد لا يمكن تعويضها. الحفاظ على خيار البحر ليس ترفاً بيئياً، بل ضرورة وطنية لضمان استمرار مورد اقتصادي حيوي وحماية التوازن البيئي في بحار اليمن.
    الرسالة واضحة: إذا أردنا أن نترك للأجيال القادمة بحراً معافى وثروة متجددة، فعلينا أن نبدأ الآن بخطوات جادة نحو الإدارة المستدامة للمصائد بطريقة صحيحة مبنية على الدراسات والأبحاث العلمية للأحياء البحرية ومساندة الجهود العلمية المبذولة من قبل الهيئة العامة لأبحاث علوم البحار والأحياء المائية لتعافي هذا القطاع الحيوي والهام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى