
وجدان الحداد
ترجّل الفارس، وغاب الجسد، لكن الروح باقية تشع في قلوبنا نوراً وهدى. مضى الشهيد المجاهد الدكتور رضوان الرباعي كما يمضي العظماء، حاملاً مبادئه التنموية في صدره، مؤمناً أن طريق الاكتفاء الذاتي لا يكتمل إلا بالتضحية، وأن حياة الأمة لا تعود إلا بروح البذل والعطاء.
كان الشهيد الرباعي رحمه الله، قائداً في فكره، معلماً في نهجه، وأباً في عاطفته. جمع بين صلابة الموقف ورقة القلب، مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾، فكان حديثه يوقظ الوعي، وكلماته تنفذ إلى القلوب قبل العقول، يرسم للأمة طريقها، ويغرس في وجدانها أن الاكتفاء الذاتي من كمال الإيمان، وأن أمة لا تمتلك قوتها لن تستطيع أن تمتلك قرارها.
لقد عاش الدكتور رضوان الرباعي مجاهداً بفكره وحركته، محرضاً على العودة إلى الأرض والزراعة، منادياً بالتحرر من التبعية والهيمنة، مؤمناً أن الحرية لا تُمنح وإنما تُنتزع، وأن العزة هبة إلهية لا ينالها إلا من صبر وجاهد وضحى.
لم يكن الرباعي قائداً منعزلاً عن الناس، بل كان أباً حانياً يشاركهم همومهم، ويحتضن آمالهم، ويزرع في نفوسهم الثقة بأن المستقبل للأمة مهما تكالبت عليها قوى العدوان. كان ينظر إلى الواقع بعين البصيرة، ويستشرف المستقبل بعقل راشد، يوجّه الأجيال، ويغرس فيهم حب الله ورسوله وأعلام الهدى.
واليوم، ونحن نودّع جسده الطاهر، نوقن أن صوته سيظل يتردّد فينا: “تحقيق الاكتفاء الذاتي ليس رفاهية، بل هو شرط الإيمان وسلاح الحرية.” وستبقى دماؤه الطاهرة وقوداً لمسيرتنا التنموية، وعهداً أن لا نخضع ولا نستسلم ولا نساوم على المبادئ التي ضحّى من أجلها.
نم قرير العين أيها القائد المعلم، يا أباً لم ينجب فقط أبناءه من صلبه، بل أنجب أمة من الواعين والمجاهدين. نم شهيداً عظيماً، فقد تركت خلفك إرثاً من العز والكرامة، وسيرةً ستظل مدرسةً للأحرار.
رحمك الله وجعل مثواك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء، وحشرنا معك على درب الولاية والجهاد، وجعل دماءك الطاهرة نبراساً ينير درب الأمة حتى يتحقق وعد الله بالنصر المبين.