
المشرقي: لن تتحول الفواكه اليمنية إلى سلع استراتيجية إلا باستثمارات حديثة وأسواق منظمة
ثروة زراعية تواجه تحديات البنية التحتية والتسويق
اليمن الزراعية: الحسين اليزيدي
تحتل الفواكه اليمنية مكانة محورية في الاقتصاد الزراعي للبلاد، إذ تمثل موردًا حيويًا للأمن الغذائي وفرصة اقتصادية مهمة للمزارعين، رغم التحديات الهيكلية التي تواجه هذا القطاع. ويكشف كتاب الإحصاء الزراعي لعام 2023 عن صورة دقيقة لتوزيع الإنتاج الزراعي، حيث يتضح أن محاصيل العنب والتفاح والرمان تمثل نحو 18.5٪ من إجمالي المساحة المحصولية للفواكه، لكنها ما تزال محاطة بعقبات تتعلق بضعف البنية التحتية، والتسويق، والتصنيع.
العنب
يُعد العنب من أعرق المحاصيل الزراعية وأكثرها ارتباطًا بالهوية اليمنية. فقد بلغت المساحة المزروعة به 12.8٪ من إجمالي المساحة المحصولية للفواكه، أي نحو 12,286 هكتارًا، بإنتاج يقدر بحوالي 153,107 أطنان.
وتتصدر محافظة صنعاء قائمة الإنتاج بكمية 118,421 طنًا من مساحة تبلغ 9,277 هكتارًا، تليها صعدة بـ 13,692 طنًا من مساحة 1,060 هكتارًا، ثم أمانة العاصمة ثالثًا بإنتاج 10,368 طنًا من مساحة 938 هكتارًا، فيما جاءت عمران رابعًا بـ 7,373 طنًا من مساحة 639 هكتارًا.
ويعكس هذا التوزيع تمركز زراعة العنب في المحافظات الشمالية، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن اعتماد المزارعين على أساليب تقليدية في التجفيف والحفظ، الأمر الذي يزيد من حجم الفاقد ويقلل من القيمة السوقية للمحصول.
التفاح
أما التفاح، فتبلغ المساحة المزروعة به نحو 2,404 هكتارات، بما نسبته 2.5٪ من إجمالي المساحة المحصولية للفواكه، بإنتاج إجمالي يصل إلى 31,445 طنًا.
وتتصدر محافظة صعدة هذا المحصول بإنتاج يتجاوز 21 ألف طن من مساحة 1,129 هكتارًا، بينما جاءت عمران ثانيًا بكمية 2,249 طنًا من مساحة 259 هكتارًا، وصنعاء ثالثًا بـ 1,538 طنًا.
أما بقية المساحات وكميات الإنتاج فتوزعت على محافظات ذمار، البيضاء، إب، وأبين، لكن بأرقام متواضعة. ويعزز هذا الواقع هيمنة صعدة على محصول التفاح. إلا أن الأرقام تخفي وراءها تحديات مزمنة، أبرزها: غياب مرافق التخزين الحديثة، ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف منظومة التسويق القادرة على إبراز القيمة الحقيقية للمحصول.
الرمان
وبالنسبة للرمان، فقد بلغت المساحة المزروعة به 3,123 هكتارًا، وهو ما يمثل 3.2٪ من إجمالي المساحة المحصولية للفواكه، بإنتاج يقدر بـ 46,446 طنًا.
وتؤكد الإحصاءات أن صعدة هي بالفعل سلة الرمان اليمني، حيث تمتلك وحدها 2,086 هكتارًا مزروعة بالرمان، بإنتاج بلغ 36,856 طنًا. تلتها عمران بمساحة 291 هكتارًا وإنتاج 3,120 طنًا، ثم ذمار بمساحة 228 هكتارًا وإنتاج 2,109 أطنان.
أما بقية المساحات والإنتاج فقد توزعت على محافظات صنعاء، إب، والبيضاء. ويجعل هذا التركز الجغرافي للمحصول عرضة لمشكلات النقل والتوزيع والتخزين، حيث تؤدي الطرق التقليدية في الحفظ إلى فقدان جزء كبير من الإنتاج قبل وصوله إلى الأسواق.
مرآة لواقع الزراعة
وعلى صعيد متصل يرى مسؤول سلاسل القيمة للفواكه في وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية زهران المشرقي أن هذه المحاصيل الثلاثة تمثل مرآةً لواقع الزراعة اليمنية، مشيراً إلى أن العنب يمثل إحدى أهم السلاسل الزراعية في بلادنا، لكنه يظل محاطًا بتحديات تمتد من المدخلات وحتى الاستهلاك.
ويوضح أن المزارعين يعتمدون على التجار في توفير الأسمدة والمبيدات، فيما تبقى عمليات الإنتاج تقليدية، ويعاني المحصول بعد القطف من فاقد مرتفع بسبب أساليب التجفيف القديمة ونقص التخزين، مضيفاً أن غياب منظومة تسويق منظمة يفاقم من خسائر المزارعين، داعيًا إلى استثمارات في البنية التحتية ودعم الإنتاج الحديث لتمكين العنب من التحول إلى سلعة استراتيجية.
وبالنسبة للرمان، يشير المشرقي إلى أنه يمثل فرصةً اقتصاديةً كبيرة، غير أن حلقات السلسلة تكشف اختلالاتٍ عميقة، أبرزها الاعتماد على مدخلاتٍ مستوردة وغياب الدعم الفني، منوهاً إلى أن أكبر الخسائر تحدث بعد القطف نتيجة لضعف التخزين والتعبئة والنقل، في ظل سيطرة أسواقٍ غير منظمة على التسويق المحلي، داعياً إلى إدخال تقنيات حديثة في الري والمكافحة، وإنشاء مراكز تجميع وأسواق منظمة، إلى جانب خطط وزارة الزراعة لإدماج المحصول في الصناعات التحويلية وتطوير نظام تسويقي موحد.
أما التفاح، فيراه المشرقي انعكاسًا مصغرًا لمعضلة الاقتصاد الزراعي: إنتاجٌ وفير، لكن دون قدرة على تعظيم العائد.
ويوضح أن المزارعين يعتمدون كليًا على المدخلات المستوردة، وأن نقص مرافق التخزين يؤدي إلى هدر واسع بعد القطف، مضيفاً أن غياب استراتيجية تسويقية وطنية وهيمنة الأسواق العشوائية يقيدان قدرة المزارعين على الحصول على أسعار عادلة أو دخول أسواق التصدير.
ويحذر من أن استمرار هذه القيود سيبقي التفاح سلعة محدودة الجدوى، ما لم تُعالج مشكلة الطاقة والبيانات الدقيقة وتنظم آليات التسويق داخليًا وخارجيًا، مؤكداً أن تحويل العنب والتفاح والرمان من محاصيل موسمية إلى سلع استراتيجية قادرة على المنافسة يتطلب استثماراتٍ واسعة في التكنولوجيا الزراعية، ودعم المزارعين بالمعلومات الدقيقة والإرشاد الفني، وفتح أسواق منظمة تعزز القيمة المضافة وتقلل من الفاقد.
في ظل هذه التحديات، تبدو الفواكه اليمنية على مفترق طرق، فإما أن تظل أسيرة الواقع التقليدي وما يحمله من خسائر وفرص ضائعة، أو أن تنطلق نحو مرحلةٍ جديدة تجعلها رافعةً اقتصاديةً حقيقيةً، ليس فقط للأرياف المنتجة، بل للاقتصاد الوطني بأسره.

