إرشاداتصحافة

الشهيــــد الدكتــــور رضوان الرباعي.. قائد التنمية في البر والبحر

طــه الريـامــي

في رحاب الوطن، يُخلد التاريخ أسماء رجال استثنائيين، سطروا ملاحمهم في ساحات البناء لا في عناوين الخطابات. من بين هؤلاء العظماء يبرز الشهيد الدكتور رضوان الرباعي، وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، رجل الدولة الذي آمن أن خدمة الوطن لا تحتاج إلى ضجيج، بل تحتاج إلى إرادة صادقة وعمل دؤوب.
بدأ الدكتور الرباعي مسيرته كنائب لوزير الزراعة في حكومة الإنقاذ، في وقت كانت الوزارة تعاني من انهيار شبه كامل نتيجة عقود من الإهمال والتدمير الممنهج، الذي فرضه الأعداء من خلال سياسات التبعية والفساد الإداري. إلا أن الشهيد لم يستسلم لواقع مُحبط، بل حمل على عاتقه مهمة إعادة الثقة بين الوزارة والمزارعين، واستطاع، خلال فترة قصيرة، أن يُعيد هيبة المؤسسة الزراعية عبر العمل الميداني الجاد والقرارات الشجاعة.
لقد كان هدفه الأول تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو الحلم الذي طالما راود كل المخلصين، فسعى بكل ما أوتي من طاقة إلى تعزيز إنتاج الحبوب والبقوليات والفواكه، وتوسيع الرقعة الزراعية رغم التحديات الكبيرة التي فرضها الحصار والعدوان. وحين صدر القرار بتعيينه وزيرًا للزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، بعد دمج هذه الوزارات في إطار حكومة التغيير
و البناء، لم يكتفِ بالجلوس خلف المكاتب، بل نزل إلى الميدان بنفسه، وبدأ بإحداث ثورة تنموية حقيقية في كافة القطاعات التي باتت تحت إشرافه.
شهدت البلاد، في عهده، نقلة نوعية في الأداء التنموي، تمثلت في خفض فاتورة الاستيراد بمبالغ تجاوزت خمسة وستين مليار ريال، وهي خطوة مهمة باتجاه تقليص التبعية الاقتصادية للخارج، وتحقيق الأمن الغذائي. كما تمكن من رفع حجم الصادرات الزراعية والسمكية إلى أكثر من نصف مليون طن، وهو ما انعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني، وعزّز من حضور المنتجات اليمنية في الأسواق الخارجية.
لم تكن جهوده حبيسة المكاتب، فقد جاب المحافظات والمديريات والقرى والعزل، يفتتح المشاريع، ويتابع الأعمال، ويشرف على تنفيذ البرامج بنفسه. شهدت فترة توليه تدشين زراعة ملايين الشتلات في مختلف مناطق اليمن، واستصلاح عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية، بما في ذلك الأراضي الصلبة والصحراوية، والتي تم تحويلها إلى مساحات مزروعة بفضل تقنيات حصاد مياه الأمطار.
ولأنه كان يؤمن بأهمية الشراكة المجتمعية والقطاع الخاص، فقد عمل على تفعيل الزراعة التعاقدية، وفتح آفاق جديدة للاستثمار الزراعي، إلى جانب إنشاء أسواق محلية وتنظيم عمليات التسويق، بما يخدم المزارع ويُسهم في استقرار السوق.
لم يقتصر عطاؤه على اليابسة فحسب، بل امتد أيضًا إلى البحر، حيث قدّم دعمًا كبيرًا للصيادين، وسعى إلى تنظيم أعمالهم، وتسهيل حصولهم على حقوقهم، وحل مشاكلهم العالقة. كان ينظر إليهم كركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، لا كفئة مهمشة أو مهملة.
الشهيد الدكتور رضوان الرباعي لم يكن وزيرًا عاديًا، بل كان قائدًا تنمويًا تحرك بإخلاص وصدق، مؤمنًا بقدرات الشعب، وواثقًا من أن اليمن يمكن أن يكون بلدًا منتجًا ومصدرًا، لا مستهلكًا فقط. لقد أدار الوزارة بمنطق الثورة، لا بمنطق الروتين، وسخّر كل طاقته لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة.
اليوم، بعد أن نال شرف الشهادة، نوقن أن غيابه الجسدي لن يُغيّب إنجازاته، وأن المسيرة التي بدأها سيكملها رفاقه المخلصون، وفاءً له وللأرض التي أحبها، وحلم أن يراها حرة مكتفية عزيزة.
رحمك الله يا فارس التنمية.. وسلامٌ عليك يوم وُلدت، ويوم جاهدت في سبيل الله، ويوم ارتقيت شهيدًا، ويوم تُبعث حيًّا.
لقد كنت عنوانًا للصدق، ورمزًا للبذل، وها نحن نُجدد لك العهد أن نظل على الدرب الذي رسمته، حتى يتحقق لليمن ما حلمت به: سيادة على البر والبحر، واقتصاد يصنعه أبناؤه لا الأعداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى