وزير الحاتمي
يُعدّ الإرشاد السمكي من أهم ركائز تطوير القطاع السمكي في اليمن، فهو الجسر الذي يربط الصياد بالمعرفة، ويحوّل الخبرة المتوارثة عبر الأجيال إلى علمٍ منظمٍ وممارسةٍ واعيةٍ تحافظ على الثروة وتزيد من إنتاجيتها. فكل رحلةٍ إلى البحر ليست فقط بحثًا عن الرزق، بل هي أيضًا مسؤوليةٌ تجاه البيئة البحرية ومخزونها الحيّ الذي يُعدّ من أعظم نعم الله على هذا الوطن.
الإرشاد السمكي ليس نشاطًا ثانويًا، بل هو عمليةٌ مستمرةٌ تهدف إلى توعية الصيادين والمجتمعات الساحلية بأساليب الصيد السليمة، وأهمية الالتزام بمواسم الإغلاق، والابتعاد عن الممارسات الجائرة التي تُهدد تكاثر الأسماك وتوازن البيئة البحرية. فكل مخالفةٍ بيئيةٍ صغيرةٍ في البحر قد تُحدث ضررًا كبيرًا في دورة الحياة البحرية.
ويُركز الإرشاد السمكي أيضًا على توجيه الصيادين في أساليب الحفظ والتداول والتسويق، لضمان وصول الأسماك إلى المستهلك بجودةٍ عاليةٍ وسلامةٍ صحية. كما يُسهم في تعريف الصياد بحقوقه وواجباته، ويُعزز روح العمل الجماعي من خلال الجمعيات التعاونية السمكية التي أصبحت اليوم مظلةً حقيقيةً لحماية مصالح الصيادين وتنظيم جهودهم.
ومن خلال البرامج التوعوية والدورات التدريبية الميدانية، يسعى الإرشاد السمكي إلى بناء وعيٍ جديدٍ يقوم على الاستدامة، أي أن يُمارس الصياد عمله اليوم دون أن يضرّ برزق الغد. إنها ثقافةٌ بحريةٌ عميقةٌ، تنطلق من إدراك أن البحر ليس موردًا لا ينضب، بل نظامٌ بيئيٌّ متكاملٌ يحتاج إلى الرعاية والحكمة في التعامل معه.
كما أن الإرشاد السمكي يُمثل أداةً فعّالةً في تحسين العلاقة بين الصيادين والجهات الرسمية، من خلال تعزيز الثقة والتنسيق، ونقل احتياجات الصيادين ومشكلاتهم الميدانية إلى مراكز القرار، لتتحول التحديات إلى حلولٍ واقعيةٍ تصبّ في مصلحة القطاع بأكمله.
إننا في قطاع الثروة السمكية نؤمن بأن الوعي هو أول خطوةٍ في طريق الإصلاح، وأن الإرشاد المهني القائم على المعرفة والتجربة هو الضمان لبناء قطاعٍ سمكيٍّ قويٍّ ومنافسٍ. ومن هنا، ندعو كل الجمعيات والكوادر الميدانية إلى جعل الإرشاد جزءًا أصيلًا من نشاطها اليومي، ليظل البحر نقيًا، والثروة السمكية مستدامة، ولتستمر حياة الصياد اليمني بين الموج والعطاء بكرامةٍ وأمان.
