
القبطان: عبدالرشيد عبدالغفور
تُعد النظم البحرية العميقة، ولا سيما تلك التي تتجاوز أعماق 300 متر فأكثر، من أكثر البيئات غموضًا وتنوعًا في العالم البحري. فهي تختلف كليًا عن البيئات الساحلية الضحلة من حيث الخصائص الفيزيائية والكيميائية، والكائنات التي تعيش فيها، وطرق تكيفها مع الظروف الصعبة.
أولًا: البيئة المعيشية في الأعماق
(300 – 500 م)
الضوء:
في هذه المنطقة يكون الضوء شبه معدوم، ولذلك تُعرف باسم منطقة الشفق (Mesopelagic Zone).
الضغط:
الضغط في هذه الأعماق مرتفع جدًا، إذ يزيد بمعدل يتراوح بين 30 إلى 40 ضعفًا مقارنة بالضغط الجوي عند سطح البحر.
درجة الحرارة:
منخفضة عمومًا، وتبلغ عادة ما بين 6 إلى 10 درجات مئوية في البحر العربي وخليج عدن.
الأكسجين:
يقل تركيز الأكسجين بشكل ملحوظ، خصوصًا في البحر العربي الذي يحتوي على ما يُعرف بـ”طبقة نقص الأكسجين” بين عمقي 200 إلى 1000 متر.
الغذاء:
يعتمد الكائن البحري في هذه الأعماق على ما يُعرف بـ”الثلج البحري” (Marine Snow)، وهو مزيج من المواد العضوية الميتة والجزيئات الدقيقة التي تهبط تدريجيًا من السطح نحو القاع.
ثانيًا: شروخ الأعماق (Deep-sea Lobsters)
•النوع الأكثر انتشارًا هو Palinurus spp. وMetanephrops andamanicus، ويتواجد في أعماق تتراوح بين 250 – 500 متر، خاصةً على سواحل اليمن الشرقية وجزيرة سقطرى.
•يعيش هذا النوع في جحور داخل القاع الرملي أو الطيني.
•يتحرك ببطء ويتغذى على الكائنات القاعية الصغيرة.
•يتميز بمعدل نمو بطيء جدًا، مما يجعله عرضة للاستنزاف السريع عند زيادة عمليات الصيد.
تشير الأبحاث الميدانية في خليج عدن والبحر العربي إلى انخفاض تدريجي في أعداده في بعض المناطق بسبب الصيد بالقفاص دون تنظيم. كما أن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع حرارة المياه السطحية ونقص الأكسجين في الأعماق، أثرت سلبًا على مناطق تواجده وخصوبته.
ثالثًا: جمبري الأعماق (Deep-water Shrimps)
من أبرز الأنواع المنتشرة:
Aristeus antennatus وHaliporoides triarthrus (الجمبري الأحمر العميق).
•تتواجد تجمعاته بكثرة في خليج عدن وبحر العرب وحول سواحل المهرة وسقطرى.
•يعيش في القاع الطيني على أعماق تتراوح بين 300 – 700 متر.
•يتغذى على الرواسب والكائنات الصغيرة، ويزداد نشاطه ليلًا حين يتحرك قليلًا نحو الأعلى.
•تشير الدراسات إلى وجود تراجع في الكتلة الحيوية نتيجة توسع الصيد بشباك الجر في الأعماق ببعض الدول المجاورة. كما تمر الأعماق البحرية في البحر العربي بمرحلة “اختناق أكسجيني”، مما يقلص الموائل المناسبة للجمبري العميق.
رابعًا: العوامل المهدِّدة والمخاطر
- قلة الدراسات المسحية حول المخزون الفعلي في المياه اليمنية.
- التغيرات المناخية وتأثيرها على مستويات الأكسجين ودرجات الحرارة.
- التلوث بالمواد الثقيلة الناتج عن رواسب النفط والأنشطة الساحلية المختلفة.
خامسًا: توصيات للحفاظ على الأحياء البحرية العميقة
1 -تنظيم الصيد العميق من خلال تحديد الأعماق المسموح بها وعدد الأقفاص.
2 -تشجيع استخدام فتحات هروب في أقفاص صيد الشروخ العميق لحماية الصغار.
3 -تنفيذ مسوحات علمية دورية لتقدير المخزون السمكي في الأعماق.
4 -حماية المناطق المرجانية العميقة (cold-water corals) التي تُعد ملاجئ طبيعية للكائنات العميقة.
لقد كان لي شرف اصطياد هذه الكائنات خلال الأعوام 1977 – 1980م، وعلى الأعماق المذكورة أعلاه، حيث اكتسبت من تلك التجارب الميدانية معرفة عميقة بخصائص هذه البيئات البحرية الفريدة وأهميتها الاستراتيجية للثروة السمكية اليمنية.





